في ظل الراهن العربي المتمثل في ثورات الربيع العربي التي أطاحت أربعة من الرؤساء العرب وآخرين قيد الانتظار تمر الأحزاب السودانية التي شابها الركود السياسي زمانًا طويلاً دفع بها الانقسام كيفما اتفق أو لم يتفق بموجة غير مسبوقة من التململ والدعوة للتغيير في قيادتها التي بلغت من العمر والرئاسة عتيًا دون أن يدور بخلدها أن التغيير سنة الأشياء، وبالرغم من أن المؤتمر الوطني من أكثر الأحزاب المنتظمة في عقد مؤتمراتها القاعدية والعام، فضلاً عن مؤتمرات الحركة الإسلامية إلا أن ذلك لم يعفه من بروز ظاهرة المذكرات في صفوفه، أبرزها مذكرة العشرة، التي انشق على إثرها الحزب لفصيلين في 1999.. وبالرغم من الهدوء الذي حل بساحة الوطني زمانًا يربو على سنوات عشر إلا أن الأيام أبت إلا أن تصدق نبوءة عراب الحركة الإسلامية عقب مذكرة العشرة التي قال فيها ما معناه «إن المذكرات كالحمى ولن يتيسر أن تغادر بسهولة طالما قد حلت»، فظهرت أولى المذكرات التي حررها أعضاء بالحركة الإسلامية تدعو للإصلاح وبالفصل بين الدولة والحزب، وبالعودة للحركة إلى سابق عهدها الأول، وقد أثارت المذكرة التي نشرتها «الإنتباهة» زخمًا إعلاميًا وسياسيًا، وتباينت الآراء حولها، ليبشر آخرون منهم الترابي بمذكرة ثالثة.. السؤال الماثل الآن هل تهدف تلك المذكرات لإحداث تغيير عام بالحزب أم أنها تتطلع لإزاحة القيادات؟ المؤيدون لتلك المذكرات أمثال عضو المكتب القيادي بالوطني سعاد الفاتح يسعون للتغيير في الحزب، فقد قالت سعاد دون مواربة إنها تشعر بالتهميش، وذكرت أن منزلها شهد مداولات بخصوص المذكرة، ومسؤول مكتب سلام دارفور إمين حسن عمر أرجع المذكرة إلى اقتصار المناصب على فئة دون غيرها في الحزب، وابتدأ بنفسه بوصفه يتسنم أكثر من تكليف في وقت واحد، إلا أن أقوى الانتقادات التي طالت مذكرات الوطني ما صدر عن رئيس الحزب عمر البشير في حديثه للفضائيات السودانية الجمعة الماضية حيث دعا لمحاسبة أصحاب المذكرة، ورفض ما سمّاه محاولة الوصاية على الحزب، أما الأحزاب الأخرى فليست بمنأى عن الحراك الداعي للتغيير فقد كشفت الزميلة «اخبار اليوم» على لسان قيادي بارز بالأمة القومي أخفى هويته عن وجود مذكرة إصلاحية أعدها ووقع عليها أكثر من ألف قيادي من عضوية الحزب بالداخل والخارج تطالب بتنحي المهدي وعقد مؤتمر عام لاختيار قيادات بديلة، كما سبق لشباب الحزب أن دعوا المهدي للتنحي، وذلك على خلفية اعتراضهم القوي على مشاركة نجله عبد الرحمن في الحكومة، فضلاً عن مطالبته بإنفاذ إحدى خياراته التي أشهرها في يناير للعام الماضي، «إما اعتزال السياسة أو الانضمام للمطالبين بإسقاط النظام حال عدم القبول بطرح الحكومة القومية، وفي ما يلي المؤتمر الشعبي فقد قال الوطني على لسان مسؤوله للقطاع السياسي قطبي المهدي إن مجموعات خمس بالحزب تسعى لإطاحة الترابي، وذكر أن الأخير سمّاها بالمجموعات السرطانية، الأمر الذي نفاه الشعبي مشيرين الى ان الوطني يسعى لصرف الانظار عن اشكالات المذكرات التي يزدحم بها في الفترة الأخيرة. وعن الاتحادي الأصل ذهبت بعض القيادات الرافضة للمشاركة في الحكومة من قبيل أبو الحسن فرح في تصريحات صحفية أنها بصدد الإعداد لمذكرة تدعو للإصلاح وقيام المؤتمر العام والخروج من الحكومة، ويبدو أن تيار المذكرات قد اشتد في الأصل فها هو القيادي بالحزب د.علي السيد يشير لمذكرة اخرى جارٍ التوقيع عليها ويتزعم أمرها كلٌّ من عضو المكتب السياسي محمد زين العابدين وعضو الهيئة القيادية محمد أحمد عبد الحليم، ويضيف السيد في حديثه ل «الانتباهة» أن المذكرة تحث على إلغاء المؤسسات القائمة وإعادة هيكلة الحزب والتعجيل بعقد المؤتمر العام، فضلاً عن انتخاب قيادة جديدة بالاقتراع السري، وتقديم مقترح للخروج عن الحكومة، ووصف السيد تيار المذكرة بالقوي، وقال إن تداول المذكرات شيء معهود في حزبه إلا أنها عادة ما تواجه بالإهمال، وعبر عن اعتقاده بأن المذكرات ستجد استجابة هذه المرة. إعمال النظر في هذه المذكرات يدعو للتساؤل هل هي بصدد الإصلاح والتغيير بشكل عام أم أنها تسعى لإطاحة رؤساء الأحزاب مباشرة؟ المحلل السياسي د. محمد حسين أبو صالح أشار أولاً إلى عدم اطلاعه على المذكرات الدائرة في الأحزاب إلا أنه وعلى خلفية وصفه للوضع الراهن بالدقيق للغاية هناك حاجة لتوحيد الصفوف على كافة المستويات، ومنها الأحزاب التي إذا لم تتجه لإعمال الديمقراطية في ساحاتها فإن المرحلة الحالية ستتجاوزها، وقال ل «الإنتباهة» إن تيارات الشباب تحلم بواقع مختلف يؤطر لطموحها وتطلعاتها السياسية. وعن المؤتمر الشعبي فقد أفاد القيادي الناجي عبد الله في حوار للغراء«الرأي العام» بأن الترابي لن يترشح لأمانة الحزب لدى عقد مؤتمرهم العام، أما الأمة فقد ذهب الحديث إلى المطالبة بتنحية المهدي على نحو مباشر، ولدى سؤالي للسيد عما إذا كانت مذكرات حزبه تهدف لإبعاد الميرغني قال إنها تطالب بعقد المؤتمر العام، وعبر الأخير يتم اختيار القيادات، وقد يقلده المؤتمر الرئاسة وقد لا يفعل.