ويقول الترابي في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية نشرته «الصحافة» إنه يثق في أن حركة العدل والمساواة التي أنكر أنها جناحه العسكري بل وبقية الفصائل المسلحة كلها ستضع السلاح بعد الثورة التي تطيح بالحكومة!! حركة خليل إبراهيم التي رأيناها تجند الأطفال وتعتدي على المساكين الغافلين الباحثين عن أرزاقهم في صحراء كردفان ممّن يحفرون الأرض بحثاً عن الذهب وتُجبرهم على حمل السلاح معها وتغزو أمدرمان بل وتنضم إلى قوات الحركة الشعبية وتتّخذ من جنوب السودان الذي يشنّ اليوم الحرب علينا في جنوب كردفان والنيل الأزرق.. تتّخذه منطلَقاً لحربها علينا.. حركة كهذه يقول الترابي إنها ستضع السلاح فور تغيير الحكومة!! بل إن الترابي يقول إن بقية الفصائل المسلحة بما فيها بالطبع عبد العزيز الحلو وعقار وعرمان أصحاب مشروع احتلال الخرطوم ودخول القصر الجمهوري وإقامة مشروع السودان الجديد.. إن هذه الفصائل جميعها ستضع السلاح بمجرد سقوط الحكومة وحدوث الفراغ السياسي والأمني الذي يجعل البلاد جاهزة لمن يملك القوة لفرض نفسه وتسلُّم مقاليد الحكم!! لكن بالله عليكم انظروا إلى ما قاله الترابي وهو يناقض نفسه: (الخيار المتاح الآن هو الثورة فقط بشرط الاّ تتطور إلى فوضى وسلاح.. لا بد أن يكون التغيير بصورة سلسة لنظام انتقالي سلمي يقود إلى انتخابات لأننا لا نريد أن يتحول من نظام نكرهه إلى فوضى)!! إذن فإن الترابي يتفق معنا في الخوف من البديل الصومالي الذي عبّر عنه بالفوضى فنحن مثله نشعر بالحاجة إلى التغيير بعد أن يئسنا من الإصلاح لكننا نخشى من البديل الذي ينشأ عن ثورة لأننا نعلم يقيناً أنه يعني الفوضى والصوملة. عندما ذهب سياد بري رئيس الصومال المبغوض من شعبه والذي بلغ به الظلم درجة أن يحرق العلماء بالنار لم يكن الصومال أسوأ حالاً من حيث انتشار السلاح من السودان ولم تكن التمردات تحيط بأطرافه كما هو الحال عندنا الآن وبعض ولاياتنا الحدودية مع دولة الجنوب المعادية تشتعل ومتمردو دارفور يتحيّنون الفرص للانقضاض علينا ورغم ذلك تردّت الصومال في مستنقع الحرب الأهلية التي تعصف بالبلاد على مدى نحو عشرين عاماً.. المعارك التي دارت بالكلاشنكوف داخل مدينة الخرطوم بين قبائل جنوبية متناحرة تثبت أن هناك سلاحاً كثيراً لا تعرف الشرطة عنه شيئاً مخبّأ في انتظار ساعة الصفر ومعلوم أن مخطّط خليل لغزو الخرطوم لم تكتمل حلقاتُه فقد كان المفترض أن تتحرك بعض الخلايا النائمة التي أفشلها الله رحمة بهذا الشعب المرحوم. نحن مثلك أيها الرجل.. لم نعد نحلم بحكم طاهر في ظل هذه الحكومة وما يُخيفنا هو ما يُخيف معظم الشعب بل هو ما يُخيفك مما عبَّرت عنه من خوف من الفوضى لكن الفرق بيننا وبينك أننا لا ننطوي على ذلك الحقد الأعمى على من تعتبرهم قد غدروا بك حين نزعوا منك السلطان بالرغم من علمك أن الله هو «النزّاع» «وتنزع الملك ممن تشاء»!! ذلك الملك الذي اقتلعته ذات يوم ممَّن سبقوك أيها الشيخ لكنك تبيح لنفسك ما تُنكره على غيرك!! ثم يواصل الترابي عجائبه ويقول: «إنني على يقين من أن الجنوب بعد الانفصال يمكن أن يعود للوحدة»!! وكأنّ القصة «لعب عيال»... شعب عبّر بالإجماع عن بغضه للتوحّد معنا بل عبَّر حتى أولئك الذين عاشوا لعشرات السنين في الخرطوم والشمال عن رغبة حقيقية في الانفصال ظلت تُلحُّ عليهم منذ ما قبل الاستقلال وبالرغم من ذلك يتحدث الترابي عن عودة الوحدة التي لم نجنِ منها غير الدماء والدموع ولستُ أدري هل يظن الترابي أن المسألة بهذه السهولة وأنه «علي كيفهم» يذهبون متى شاءوا ويعودون متى شاءوا إلينا نحن المحرومين على الدوام من إبداء رأينا؟! لست أدري هل يعيش الترابي في كوكب آخر ولا يرى ما حدث طوال التاريخ بل ما حدث قبل وخلال وبعد الفترة الانتقالية وما يحدث الآن من مشاعر البغض الذي يكنُّه الجنوبيون تجاه الشمال والشماليين؟! بالله عليكم أليس الأجدر بالترابي إن كان مهموماً بمستقبل الإسلام أن يفكر بالتوحد مع مصر أو ليبيا أو تشاد بدلاً من وحدة الموت والخراب والدمار؟! ثم تساءل الترابي ويا للحسرة!! متحدِّثاً عن الجنوبيين: (كيف نقول لهم اخرجوا من البلاد التي خدموها وعملوا فيها)؟! ثم قال إن «الجنسية السودانية حُرِّمت فقط على الجنوب وإسرائيل وتُعطى للأمريكان والأوروبيين... هذا غباء»!! بالله عليكم من هو الغبي وهل تُعطى الجنسية للأمريكان والأوربيين كما قال الترابي وهل هم يطلبون جنسيتنا أصلاً؟! بلاد تشنُّ الحرب علينا وتخطط لإيذائنا ونسمح لرعاياها المزروعين كخلايا نائمة وقنابل موقوتة نسمح لهم بالبقاء ونمنحهم الجنسية!! أقول للشيخ الترابي إن العافية بدأت تدبُّ في جسد السودان رغم الضائقة المعيشية التي اعتبرها فترة نقاهة كتلك التي تعقب المرض.. إنها ذات الفترة الحرجة التي نراها في ليبيا بعد كابوس القذافي وفي مصر بعد مبارك وسيعقبها الشفاء الكامل إن نحن أحسنّا حكم بلادنا التي غدت أكثر تجانساً وأقل تشاكساً. ورغم تعهُّده جرّاء اتفاق فتاة حزب حق (هالة) بوقف التراشق الإعلامي مع الصادق المهدي يعود لهواية الغمز واللمز فيقول إن موقف الصادق المهدي المهادن للحكومة ربما كان ناشئاً عن خوفه من التعرض للسجن كما أنه يخشى من الحرب الاقتصادية من النظام (وأنا لست كذلك لم أشكِّل حزباً وراثياً ولم أرث عن أبي ولم أهيئ ابني للحكم)!! هذا هو الترابي عقب بلوغه الثمانين.. أين هو يا ترى من الترابي القديم الذي كان يُجيد الاستماع لمحدّثيه وينطق بالحكمة في تعقيبه لا الذي نراه اليوم يتحدَّث ويتحدَّث ويتحدَّث ولا يُتيح لغيره أن ينبس ببنت شفة؟!