عجز السياسة هو ما يقود إلى الحرب، فإن عجزت السياسة فإن الحرب هي البديل الأوحد. وعجز السياسة ينتج عن عجز الاقتصاد، فالأزمة الاقتصادية هي أحد أسباب نشوب الحرب الأساسية. وإذا نظرنا في أسباب قيام الحرب العالمية الأولى نجد أن الأسباب اقتصادية بحتة، فألمانيا والنمسا كانتا خارج التقسيم الذي وضعته بريطانيا وفرنسا للعالم، دون اعتبار لألمانيا التي تعتبر نفسها قوة عسكرية لها وزنها. أما الحرب العالمية الثانية بجانب العامل الاقتصادي فقد ظهرت آيديولوجية جديدة، وهذه الآيديولوجية كذلك تقوم على أساس نظرية اقتصادية جديدة، وكل العوامل التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية الثانية كانت في نهاية المطاف أسباب اقتصادية. دخول أمريكا في الحرب العالمية الثانية كان سببه اقتصادياً أيضاً، فقد قدمت المساعدات لأروربا والاتحاد السوفيتي، وكانت تقبض الثمن في الحال. فالبواخر التي كانت تحمل المعونات والأسلحة كانت تعود لأمريكا محملة بالذهب، أي أن أمريكا استفادت اقتصادياً من الحرب، وقد وجدت في الحرب انتعاشاً اقتصادياً، بحيث تحركت الصناعة الأمريكية إلى أسواق أوروبا أو بالاحرى إلى ميادين القتال. وكانت أمريكا تهدف إلى عملية إحلال وإبدال بوراثة الإمبراطوريتين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وقد كان تشرشل متخوفاً من أن يحدث هذا، وقد أفصح عن ذلك، كما أن الرئيس الأمريكي روزفلت صرح ذات مرة بأن تشرشل لا ينظر إلى نتيجة الحرب إنما ينظر ويفكر في وضع بريطانيا بعد الحرب، وذلك نتيجة خوفه من أن ترث أمريكا الإمبراطورية البريطانية. واقتصادياً كانت أمريكا الدولة الوحيدة التي استفادت من الحرب، وهذا ما جعلها تتطور في مجال التسليح، الأمر الذي جعل منها المتنفذ في مسار العالم الاقتصادي والسياسي والعسكري خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. والأزمة الاقتصادية العالمية أظهرت للعالم أنه يعيش داخل فقاعة اقتصادية كبرى، وهذه الفقاعة تريد أن تحتوي الاقتصاد الحقيقي وتبتلعه، وهو الاقتصاد الذي يقوم على الموارد الحقيقية، والتي يريد الاقتصاد الفقاعي أن يبتلعها. وعدوانية الغرب وبالذات أمريكا ليس حباً في العدوان، إنما الأمر غير ذلك تماماً، فالغرب يموت اقتصادياً، لذلك فإن الحرب تمثل ضرورة لبقائه حياً. وبنظرة واقعية لما يدور في البلدان التي نشبت فيها ثورات الربيع العربي، نجد أن أمريكا قد ساندت تلك الثورات بالتصريحات في تونس ومصر، أما في ليبيا فإن التدخل كان مهماً بالنسبة لها، فليبيا أرض موارد بترولية ضخمة، وكذلك تتوسط كل من تونس ومصر، المتقدمتين فكراً وعلماً على ليبيا، ووجود الناتو هناك والدول الكبرى يعوض ما خسرته أمريكا بعد الربيع العربي الذي أفرز الإسلاميين في كلا الدولتين، والإسلاميون بالضرورة مختلفون مع أمريكا وسياساتها. والتأثير الغربي في ليبيا لا شك له تداعياته في كل من مصر وتونس، فهاتان الدولتان المؤثرتين في الصعيد العربي لا يمكن تركهما مستقرتين، لذا فإن الوجود الغربي في ليبيا يؤمن الموارد وفي ذات الوقت يثير الاضطرابات في كل من مصر وتونس. في مخطط أمريكا الذي وضعه هنري كسينجر في سياسة الخطوة خطوة، هناك دول يمكن الاستغناء عنها وإعادة ترسيم حدودها الجغرافية والسياسية، ومن هذه الدول السودان والصومال واليمن ولبنان وأخيراً وليس آخراً ليبيا. والحالة الاقتصادية في كل هذه الدول متردية خاصة في السودان الذي يجري استدراجه للحرب، أولاً بإبرامه اتفاقية السلام التي من أهم أهدافها نقل الحرب إلى الشمال، وتحويلها من حرب تمرد داخلي إلى حرب إقليمية يسهل التدخل فيها حفاظاً وحماية للأمن والسلام العالمين. والهدف من هذه الحرب التحكم في موارد دولتي الجنوب والسودان، وقد اشترت أمريكا بترول الجنوب لمدة خمس سنوات وهو في باطن الأرض، وفي هذه الخطوة يتم إبعاد للصين كلياً عن لعبة البترول، كما أنها تمثل ضغطاً اقتصادياً على جمهورية السودان الذي يتقاضى أجراً عن ضخ بترول الجنوب عبر أراضيه. والحرب إن نشبت فلن تكون في صالح الدولتين، لأنهما سيدفعان فاتورتها من مواردهما بعد السيطرة عليها وابتلاعها داخل الفقاعة الاقتصادية الأمريكية، فالدولة المعتدية ستدفع ثمن عدوانها، والأخرى ستدفع ثمن الدفاع عنها، والثمن حياة الأبرياء ومواردهم وضياع أوطانهم.