مَنْ لم تبكه الحال التي وصلت إليها ولاية شمال كردفان في هذه الأيام الكالحة، فعليه أن يراجع شعوره وإحساسه حتى لا يتهم بقسوة القلب وعدم الاهتمام بشأن الناس ومعيشتهم. فقد بات أهل هذه الولاية بين فقير مدقع، عاصب البطن وطاوي ثلاث من جوع وعطش، وهو لا يجد ما يسد به الرمق لندرة الذرة هذا الموسم، وشباب يلهثون وراء الثراء السريع من التنقيب الأهلي باحثين عن الذهب في صحارى أبو حمد وأم بادر بديار الكبابيش، وقد تركوا مقاعد الدراسة وهم في ريعان الشباب، وفقدنا منهم الكثيرين جراء الحوادث التي ظلت تحصدهم من وقت لآخر، فثكلت الأمهات وترملت العرائس. وإنسان متوسط الحال يخشى على رزقه ومواشيه من الزوال خشية «المحل» لانعدام المرعى وعجز حكومة الولاية عن تقديم ما يحتاجه المواطن من دعم، وانشغالها بتوزيع المناصب والوهم الدستوري الذي لم يقدم لإنسان الولاية سوى التخلف والفقر والجهل نتيجة حتمية للتخبط وسوء الإدارة وضعف الخبرة. ولا أجد وصفاً ينطبق على الإنسان الكردفاني، والحال هذه، أبلغ مما قال صلاح أحمد إبراهيم، رحمه الله: أعرفهم.. الضامرين كالسّياط الناشفين من شقا.. اللازمين حدهم الوعرين.. مُرتقى أعرفهم كأهل بدر شدة ونجدة وطلعة وألقا.. أعرفهم حين يغضبون.. وحين يزأرون كدوي صخرة ونحن إذ نشير هنا إلى الدموع التي ذرفها الدكتور نافع علي نافع، أحد صقور الإنقاذ، إبّان زيارته الأخيرة لشمال كردفان، نأمل أن تكون تلك الدموع الغالية بمثابة غيث يروي ثرى شمال كردفان، ويترجم إلى تحرك عاجل من قبل الحكومة الاتحادية للحيلولة دون وقوع كارثة المجاعة التي توشك أن تحل بأهلنا، حتى نتفادى ما يترتب عليها من عواقب وخيمة قد تقضي على ما تبقى من كرامة الإنسان الكردفاني الذي ظل حتى وقت قريب صابراً لا يجرؤ على الشكوى والبوح بمشكلاته وما يجد من عنت وضيق وإهمال، على الرغم من وقوفه مع ثورة الإنقاذ في كل مراحلها، فليس أقل من أن ترد له الجميل بأحسن منه. فقد خسرت كردفان طريق الإنقاذ الغربي الذي حرم أطفالنا من السكر لمدة طويلة، ولكنه ضاع في دهاليز السياسة والفساد، وها هو طريق أم درمان بارا يسير في ذات الاتجاه، إذ لا يوجد من يتابع تنفيذه، وسيضيع هو الآخر شأنه شأن كل حق ليس وراءه مطالب. أما وقد تشكلت الحكومة الجديدة في الولاية من ذات الأشخاص السابقين فسوف «تكون مصابة بذات الشلل السياسي الذي لازم سابقتها» ولا بد من تدارك الوضع قبل فوات الأوان وإهدار مبالغ في شكل رواتب دستورية باهظة على حكومة لن تستطيع فعل شيء لصالح المنطقة بحكم تكوينها وتجربتها السابقة. إنّ هذه الولاية تزخر بقيادات، يعرفها الدكتور نافع والسيد هجو قسم السيد، مشهود لها بالكفاءة والنزاهة والقدرة على العمل، فلماذا أبعدوا عن الساحة؟ ولهذا وحرصاً منا على المصلحة العامة نناشد قيادة المؤتمر الوطني ونطلب منهم التدخل السريع لوضع خريطة طريق تستهدي بها حكومة الولاية التي فقدت البوصلة وصارت تنظر تحت قدميها فقط دون مراعاة لمصلحة المنطقة بتاتاً، وقولوا لي بربكم ماذا أنجز هؤلاء حتى يعاد تعيينهم مرة أخرى؟ و ما هي المعايير التي على ضوئها تم اختيار الوزارة الموقرة؟ وأين برنامجها وما هي إمكانات تنفيذه وبأية ميزانية وآليات يا ترى؟ ومن ناحية أخرى، تعاني بعض مناطق الولاية مشكلات إدارية ظلت عالقة أمام تردد حكومة الولاية في اتخاذ القرار المطلوب، حتى أضرَّ ذلك بمصلحة كثير من الناس وجعلهم يتشككون في جدوى الحكم المحلي الذي فشل في تقصير الظل الإداري نتيجة لتوزيع المحليات بطريقة غير مدروسة، الأمر الذي أوجد واقعاً إدارياً جعل ساكن هذه المناطق يشعر بالغبن، ولذلك لا بد من إعادة النظر في توزيع الإداريات حتى يتمكن الناس من متابعة مصالحهم دون مشقة. وأشير هنا تحديداً إلى ما يعانيه أهل إدارية دميرة التي اقتطعت قسراً من بارا، وقد وعد السيد الوالي بمعالجة هذا الوضع في أكثر من مناسبة، ولكن المشكلة ظلت تراوح مكانها كأنما هنالك جهات تريد أن يبقى الوضع على ما هو عليه لأمرٍ في نفس يعقوب. ومن هنا نريد من الدكتور نافع شخصياً أن ينظر بعين الاعتبار لهذا الطلب المتواضع الذي لا يكلف شيئاً سوى قرار إداري بسيط. وبصريح العبارة إننا نشعر بإحباط شديد سببه تشكيل حكومة الولاية من نفس الذين ظلوا يشغلون كراسي الحكم في الأبيض لسنوات طويلة دون تقديم خدمة تساوي ما يتقاضونه من رواتب، وبالتالي سوف تظل هذه الولاية الصابرة التي لم تتمرد ولم تحمل السلاح في وجه الدولة، تكابد الجهل والجوع والعطش ولذلك نرفع الأمر إلى الدكتور نافع ليتدارك الوضع قبل فوات الأوان، ونحن نعلم من هو نافع ودوره في إدارة شأن البلاد السياسي. كما نطالب قيادة المؤتمر في الولاية بالابتعاد عن الاستقطاب القبلي لأنه سيضر حتماً بالتركيبة السكانية أمنياً واجتماعياً، بعد أن أصبح المعيار هو الثقل القبلي وليس الكفاءة والقدرة على تولي الوظائف العامة. ونحن لنا رأي سنظل نجهر به حتى تتغير هذه الحال التي تنم عن ضيق أفق سياسي سيجر الولاية إلى تنافس غير مقبول بين مكوناتها ويضرب نسيجها الاجتماعي، وتعتبر هذه انتكاسة، علاوة على أنها إخلال واضح بالعهود التي قطعتها قيادة الحزب في الولاية على نفسها بأنها ستتعامل مع ناخبيها دون تمييز. وستظل كل الخيارات النظامية مفتوحة أمامنا لنيل حقوقنا كاملة غير منقوصة.