حتى كتابة هذه السطور لم نتوفر على النص الكامل للاتفاق الأمني الموقع بين السودان ودولة جنوب السودان في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أول من أمس، ووقعه من جانب حكومة السودان الفريق أول محمد عطا المولى مدير جهاز الأمن الوطني والمخابرات، وعن حكومة جنوب السودان مدير مخابراتها اللواء توماس دوت، وتم الاتفاق برعاية اللجنة الإفريقية رفيعة المستوى التي يقودها الرئيس الجنوب إفريقي السابق ثامبو أمبيكي. وحسب المعلن في تصريحات أمبيكي وبعض المعلومات الشحيحة التي تناقلتها وسائل الإعلام فإن الإتفاق هو اتفاق مبادئ عامة أقرتها اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية بين البلدين تحضُّ وتقضي على احترام سيادة البلدين وعدم دعم الجماعات المسلحة المعارضة في الجانبين واحترام حسن الجوار. ويترأس هذه اللجنة السياسية والأمنية بين السودان وجنوب السودان، وزيرا الدفاع من الطرفين وتضم وزيري الداخلية والخارجية وبقية الفرق الفنية، وسبق أن التأمت اجتماعاتها في الخرطوم في 18/9/2011م لإقرار المبادئ العامة وتم تحديد موعد لعقد اجتماع آخر في جوبا في 18/1/2012 وحالت ظروف عدم إكمال الفرق الفنية لمهامها إلى عدم انعقاد اجتماع جوبا، وتعقدت العلاقات بين البلدين في أعقاب أزمة النفط وفشل القمة الإفريقية الرباعية في دفع جوبا لتوقيع الاتفاقية الانتقالية حول النفط وتبادلت الخرطوموجوبا الحرب الكلامية، وظللت المنطقة سحابة سوداء من التوقعات بقيام حرب جديدة بين البلدين، تم في هذه الأجواء وعطفاً على تلك العوامل تحويل اجتماعات اللجنة إلى أديس أبابا، واستفرغ الوسيط ثامبو أمبيكي الوسع في الاجتهاد للتوصل لحل يمهد الطريق لبقية الموضوعات الشائكة بين الجانبين ونجح في ذلك. المهم في هذا الاتفاق، هو توقف جوبا عن دعم الحركات المسلحة في دارفور التي توجد قياداتها وقواتها في أراضي دولة الجنوب، واستخدامها منصة لإشاعة الفوضى والاضطرابات الأمنية في داخل حدود السودان، بجانب فلول قوات عبد العزيز الحلو ومالك عقار في جنوب كردفان والنيل الأزرق والحرب المدعومة من جوبا الدائرة في هاتين المنطقتين.. فضلاً عن رعاية جوبا وحلفائها من أعداء السودان لما يسمى تحالف الجبهة الثورية الذي يهدد بإسقاط النظام في الخرطوم. إذا لم تتخذ جوبا خطوات عملية وسريعة وتكف عن طيشها السياسي والأمني، فإن هذا الاتفاق لن يصمد ولن يقف على قدمين. وتعاني دولة جنوب السودان من عصاب أمني وهواجس ووسواس قهري بأن السودان يقف وراء التوترات التي تجري فيها والحروبات المشتعلة في ولايات الوسط والشرق والشمال، في جونقلي والبحيرات وأعالي النيل وأجزاء من الإستوائية وغيرها، وهي مشكلات التهبت وتعالى لهيبها لأسباب داخلية وعوامل محلية لا صلة لها بالسودان ولا توجهات سياسته تجاه الجنوب، ولا مصلحة للخرطوم في تأجيج هذه النزاعات المسلحة والدامية، لأنه قد ترك هم الانشغال بدولة الجنوب وراءه، وكل ما يريده أن تستقر هذه الدولة الجديدة ولا تسبب عبئاً أمنياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً عليه. ولو أراد السودان معاملة الجنوب بالمثل، فستنهار هذه الدولة الحديثة الولادة التي لا تزال تعاني أوضاع ما بعد التوليد، فالخطة «ب» التي أشار إليها وزير الخارجية علي كرتي في حواره الجمعة قبل الماضية في الإذاعة تعني الكثير بالنسبة للمتابعين للوضع في الجنوب ويعرفون قدرة الخرطوم على فعل ما يلحق الضرر البائن بحكومة الجنوب واستمرارها. هذه الاتفاقية ستكون محدودة الأثر إن لم تتوفر إرادة سياسية قوية وراءها وتدعم إنفاذها على الأرض، ولا يعتقدَنَّ أحد أن حكومة الجنوب تملك الآن هذه الإرادة، ونخشى أن تكون مجرد مُشهيات ومقبِّلات فقط من أجل فتح الطريق لإنجاز ما هو أهم في ملف النفط الذي بدأت جولة مفاوضاته أمس ...