عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    اهلي جدة الاهلي السعودي الأهلي    أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة سواء – في #تسقط بس..و#تقعد بس
نشر في المشهد السوداني يوم 13 - 01 - 2019

ظل السودان يعاني منذ استقلاله من الفشل والصراعات المتناسلة التي أنهكته وأدت لانقسامه إلي قطرين مع بقاء احتمالية التفكك لعدة دويلات فاشلة ماثلاً وذلك لعدة أسباب ألخصها في الآتي:
انقسام النخبة السودانية وعدم توافقها علي دستور دائم للبلاد والاستقطاب الأيديولوجي الحاد بين أحزاب اليسار وأحزاب اليمين وضعف الدولة المركزية وغياب صيغة مقبولة للتداول السلمي للسلطة وهشاشة المكون الثقافي للسودانيين عموماً وتفشي القبلية والجهوية واهتزاز الثقة في المؤسسات السياسية التي حققت استقلال السودان وذلك لارتكازها علي أطر ثقافية ضيقة بمرجعيات تاريخية دينية مع غياب القيادات الكارزمية التي تخاطب القواعد الملتزمة خطاباً ينبثق من ذات المرجعيات وكذلك الفوبيا المرضية المستحكمة في القيادات التقليدية وارتعابها من التيارات الأيديولوجية اليمينية واليسارية والتي برزت قبيل استقلال السودان وساهمت بفعالية في تصفية التركة الاستعمارية.
وأعني بهذه الفوبيا المرضية تحديداً التنافر بين تيارات حزب الأمة والأنصار من جهة مع تيار الإسلام الحركي ومن جهة ثانية التنافر بين مكونات الحركة الاتحادية المستنيرة مع التيارات الليبرالية والعلمانية والذي فاقم من حدوثه في الحالة الاتحادية إحاطة طائفة الختمية بالتيار الاتحادي إحاطة السوار بالمعصم مما منعه من الانعتاق الفكري والتلاقح مع التيارات الليبرالية والمثقفين وصار كل هم التيار الاتحادي الختمي هو الإندغام مع مصر وتحقيق مصالحها في السودان ولم يبق للتيار الاتحادي الليبرالي سوي العيش علي ذكريات الماضي وتمجيد قياداته التي حققت الاستقلال – نتيجة لذلك لم تتكون فى السودان ثنائية قطبية سياسية وفكرية تشكل أرضىة صالحة للتداول السلمى للسلطة.
يمتاز السودان بالتنوع العرقي والثراء الإثني الذي زاد من تناميه التداخل القبلي مع دول الجوار وضعف الرقابة علي حدود الدولة. رجحت الحكومات الوطنية في مرحلة الإستقلال وما تلاه كفة الانتماء العربي الإسلامي وهمشت الثقافات الأخري فأدي ذلك لبروز حركات التمرد والغبائن الجهوية والإثنية وشد أطراف الدولة بغرض إضعاف قبضة المركز.
وزكي من هذا الصراع ونفخ الروح في هذه الحركات العنصرية التيار العلماني الليبرالي الذي وجد نفسه خارج الخارطة السياسية وخارج لعبة التداول السلمي علي السلطة وذلك بسبب هيمنة التيارات التقليدية علي صناديق الاقتراع وتفضيل الأحزاب الكبيرة التحالف مع الحركة الإسلامية بدلاً عن التحالف معه ومثال ذلك تكوين حكومة الوفاق الوطني في العام 1988.
بالرغم من دور الحزب الشيوعي السوداني الهام في إسقاط الحكم العسكري الأول في أكتوبر 1964 وأيضاً دوره في انقلاب مايو 1969 علي الحكم الحزبي الديمقراطي ، الانقلاب الذي كانت له عواقب وخيمة علي الحزب الشيوعي حيث تعرض الحزب بعد عامين من مشاركته في مايو لتصفية كبري عقب فشل انقلابه علي حكومة مايو في عام 1971 وتم وإعدام قياداته المؤثرة وصار أثراً بعد عين بالرغم من كل هذه الأدوار المتعاظمة فى الحياة السياسية السودانية يجد الحزب الشيوعى نفسه دائما فى مقاعد المتفرجين وذلك نتيجة لضعف القبول له فى المجتمع السودانى التقليدى الذى يحرمه فى أى انتخابات نزيهة من تحقيق قدر معقول من الأصوات يمكنه من أن يكون مؤثرا على المستوى السياسى.
والحكومات فى السودان أما أن تتمتع بسند قوى من النخب السياسية السودانية وقواعدها التقليدية أو أن تجد سندا خارجيا أو أقليميا يمكنها من توفير أساسيات الاقتصاد ولندلل على ذلك نذكر نموذج حكومة جعفر نميرى فى سبعينات وثمانينات القرن الماضى فبعد قضاء حكومة مايو على الحزب الشيوعى السودانى تحالفت مع اليمين الإسلامي في منتصف السبعينات ثم فضت هذا التحالف عقب إعلان قوانين سبتمبر 1983 التي استندت لمواد مستمدة من التشريع الإسلامي. جاء سقوط حكومة مايو عام 1985 حتمياً لإنها فضت تحالفاتها مع كل النخب السياسية الوطنية وظنت أنها أمنت نفسها بالتواصل مع أشواق الشعب السودانى بتطبيق الشريعة الإسلامية وأنها تأخذ شرعية الحكم من إجماع الأمة ولكنها أغفلت البعد الدولي والإقليمي الذي فرض عليها حصاراً اقتصادياً خانقاً مما أدّي لخروج الجموع الجائعة في عام 1985 وسقط نظام مايو بكل سهولة ويسر لأن ظهره صار مكشوفاً بعد فقدانه سند النخب السياسية الوطنية والسند الإقليمي والدولي ولم يستطع الصمود أمام الحصار الاقتصادي.
كذلك يعاني السودان من الاتساع الجغرافي وعدم المقدرة علي ضبط الحدود وضعف الدول المجاورة سياسيا واقتصادياً – عدا مصر – أدي هذا الوضع لسهولة الاستنصار بدول الجوار ولعبها دوراً في الصراعات الداخلية كما أدي لنمو ظاهرة تهريب وتسريب المواد التموينية المدعومة عبر تجارة الحدود مع الدول التي تفتقر لمنفذ بحري والتي يعتمد سكانها المجاورون للسودان اعتماداً كبيراً علي هذه التجارة غير المنضبطة والتي أرهقت الاقتصاد السوداني.
كما أن غياب الموانع الطبيعية والجغرافية علي الحدود السودانية مع دول الجوار سهّل من حركة الجماعات المتمردة مستغلين القبائل المشتركة وخلافات الأنظمة كما ساهم أيضاً في تغيير التركيبة السكانية وتأثرها بالمجاعات والحروب التى تضرب في دول الجوار مما سيكون له تأثيراً بعيد المدي علي التركيبة الإثنية والدينية للسودان إضافة للبعد الاقتصادي الآنف.
كذلك يعاني السودان من ضعف في البنية التحتية من شبكات طرق وكهرباء ومياه نقية وصرف صحي واتصالات وخدمات التعليم والصحة الخ .. ونقر بحدوث بعض التحسينات والمواكبة في الثلاثين عاماً الماضية في مجال الاتصال والطرق والسدود والتعليم ولكنها ما زالت قاصرة أن تفي بكل المأمول وكذلك يعاني السودان من ضعف في الإنتاج نتيجة لغياب الميكنة وطرائق التكنولوجيا الحديثة لدعم الإنتاج الزراعي والحيواني بالرغم من ادخال صناعات تجميعية في خلال هذا العهد مثل صناعة السيارات والأسلحة وإلي حد ما صناعة الأغذية والجلود.
لم تتم الاستفادة الكاملة أو الموعبة من الموارد الطبيعية الثرية التي يتمتع بها السودان ولم نستفد الاستفادة القصوي من عبقرية الجغرافيا والتنوع الإثني والثقافي وتعدد مصادر الثروة وذلك في نظري نسبة لانشغال النخب بالصراع علي السلطة ولإنشغال حكومات اليوم والأمس بإطفاء الحرائق الناتجة عن صراعات الخيارات الصفرية الإقصائية وتجيير معظم موارد الميزانية الضعيفة أصلاً من أجل تأمين النظم الحاكمة أو محاربة الحركات المتمردة.
ولنفهم طبيعة الصراع الحالى ونمو الاحتجاجات المطلبية وطرق تأثيرها المحتملة على مآلات السياسة فى السودان فأنه يلزمنا أن نستوعب المراحل التى مر بها النظام الحالى فى خلال ثلاثين عاما من مسيرته كلآتى:
مراحل نظام الإنقاذ وطبقاته:
نظام الإنفاذ مر بعدة مراحل واختبارات عجمت عوده ومكنته من الصمود لثلاث عقود واختلفت كل مرحلة عن التي تليها وفي أحيان كثيرة بصورة جذرية أشبه ما تكون بتغيير الجلد بالكامل مما أعطي النظام حيوية ومقدرة علي البقاء والمناورة كالآتي:
المرحلة الأولي: 1989 – 1999: وهي عشرية الغرس الراديكالي وتميزت بخلخلة النظام القديم للدولة السودانية واستحداث دولة جديدة تمثلت في:
تجييش الشعب: بتأسيس الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية والأمن الشعبي واللجان الشعبية وذلك لمساندة الهيئات النظيرة بالدولة.
التوسع فى التعليم العام والعالي: حيث تم إلغاء المرحلة الوسطي وتحويل المدارس الوسطي إلي ثانوية وتحويل المدارس الثانوية في عواصم الولايات إلي جامعات بحيث تم إنشاء جامعة بكل ولاية وتم التصديق لكثير من الجامعات الخاصة وتم ترفيع المركز الإسلامي الإفريقي إلي جامعة إفريقيا العالمية وتحويل فرع جامعة القاهرة إلي جامعة النيلين مما جعل اتحاد الجامعات السودانية يضم في عضويته حاليا تسعين جامعة حكومية وخاصة وصار السودان هو الدولة العربية والإفريقية الأكثر عدداً في الجامعات بل ويتفوق السودان علي بريطانيا في عدد الجامعات (بوجد حوالي 66 جامعة بريطانية). نتج عن هذ العدد من الجامعات ارتفاع في أعداد الخريجين وارتفع الوعي المحلي خاصة في الهامش الجغرافي والذي أدي بدوره في هذه المناطق إلي تعرف طلاب هذه الأقاليم علي حجم المظلمات التاريخية التي عانت منها أقاليمهم فأدي ذلك لبروز الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وصار معظم قوادها ووقودها هم خريجي هذه الجامعات الإقليمية.
أيضاً نتيجة لهذا التوسع فى التعليم العام والجامعى إزداد عدد خريجي الجامعات الذين لم تستطع مواعين التوظيف في الحكومة والقطاع الخاص استيعابهم ومعظمهم الآن إما عاطلون عن العمل أو يقومون بأعمال لا تستوعب طاقاتهم الذهنية ومهاراتهم المكتسبة حيث لجأت أعداد كثيرة منهم للعمل في مجال المواصلات الداخلية وقيادات دراجات التكتك والركشو والتنقيب الأهلي والهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط إلي أوروبا أو الاغتراب عبر البحر الأحمر إلي دول الخليج للعمل في مهن وضيعة وما تبقى منهم داخل البلاد يقودون المظاهرات الاحتجاجية بشعار بسيط وغير مدروس "#تسقط بس".
كما نتج عن زيادة أعداد الخريجين أيضاً زيادة ملحوظة فى معدلات هجرة الكفاءات في كل المجالات المهنية من طب وهندسة وقانون ومحاسبة الخ ... وازداد عدد المهاجرين السودانيين وازداد تأثيرهم علي الاقتصاد السوداني.
رفعت الإنقاذ الدعم عن الاقتصاد في عشريتها الأولي وأعلنت شعارات الاعتماد علي الذات وذلك تحسباً من المقاطعة الاقتصادية الغربية عقاباً للإنقاذ علي المضي في أسلمة الحياة في السودان واستطاعت هذه السياسة من توفير إيرادات معقولة للدولة.
سعت أيضاً الإنقاذ لتأصيل شتي مناحي الحياة ابتداءاً من السياسة وذلك بأن تكون هنالك هيئة للتزكية والترشيح للمناصب السياسية والعمل بطريقة الإجماع السكوتي وتأسيس مؤسسات لتأصيل العلوم وتعريب الدراسة الجامعية وتعيين مستشارين للرئيس في مجال التأصيل ولم يتواصل العمل الجاد في هذا المنحي الهام في العشرية الأولي – فى تقديرى الخاص – نسبة لانشغال الدولة بالقضايا الأمنية والاقتصاد والشأن السياسي.
الارتباطات الخارجية للإنقاذ ظهرت جلياً في تأسيس المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي حاول أن يجمع تحت مظلته كل معارضي الأنظمة في الدول العربية والإسلامية من الإسلاميين والعروبيين وساهم هذا التجمع في تشويه صورة السودان الخارجية وربطه بالإرهاب لاحقاً. كذلك فتحت الحكومة أبواب السودان لكل العرب والمسلمين بدون تأشيرة دخول وكان لذلك تبعات خطيرة لاحقاً عند قيام حرب الخليج الأولي وقيام القاعدة والتنظيمات التي قامت بهجمات إرهابية في الغرب والتي تم ربطها جميعاً بالسودان وكذلك المحاولة الفجة لاغتيال حسني مبارك وإصدار قرارات من الأمم المتحدة ضد السودان وقيام إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بضرب مصنع الشفاء بعد حادثتي تفجير السفارتين الأمريكيتين بنيروبي ودار السلام عام 1998 وتمت أضافة اسم السودان للقائمة الأمريكية للدول التي ترعي الإرهاب.
نجحت الإنقاذ في تفكيك الكيانات الحزبية والسياسية مثل النقابات والاتحادات المهنية بتعديل قانون النقابات واعتماد نظام نقابة المنشأة في المؤسسات الحكومية وأدي ذلك لتحصين الثورة في العشرية الأولي فمثلاً بدلاً أن يكون هناك حزب واحد اسمه حزب الأمة صرت تجد خمسة أو ستة أحزاب اسمها حزب الأمة وكذلك الحزب الاتحادي الديمقراطي الخ .. وتم اختراق الأحزاب الأيدلوجية علي مستويات مختلفة كما تم توظيف كثير من الناشطين وأصحاب الرأي ووجهاء الفن والثقافة وزعماء القبائل والطرق الصوفية لخدمة النظام وموالاته.
المرحلة الثانية للأنقاذ : 1999 – 2010 – مرحلة المراجعة والمهادنة والتعقل:
وتمثلت في الآتي:
حدثت المفاصلة في ديسمبر 1999 نتيجة لعدم مقدرة الدولة السير في طريق التغيير بنفس وتيرة الحركة الإسلامية فأدي ذلك إلي إصلاح العلاقات مع المجتمع الدولي والإقليم بصورة لافتة وتعاون السودان مع كل مخابرات العالم الغربي في محاربة الإرهاب حيث تم تسليم كارلوس للمخابرات الفرنسية وطرد أسامة بن لادن وتسليم مجاهدين عرب لليبيا وإريتريا وطرد الشيخ عمر عبد الرحمن الخ ....
وازداد النفوذ السوداني في الإقليم خاصة بعد تدفق البترول السوداني في عام 1998 وارتفاع أسعار البترول عالمياً عقب هجمات سبتمبر 2001 فلم يعجب ذلك الحال الأحزاب الأيدلوجية (يساراً ويميناً) فقاموا بتأجيج صراعات المناطق المهمشة في الجنوب والغرب والجنوب الشرقي ونفخوا فيها الروح وانفجرت الأوضاع في دارفور فاضطررت الحكومة لأن تنحني للعاصفة وعقدت المصالحات الداخلية واتفاقية السلام الشامل في عام 2005 مع الجيش الشعبي لتحرير السودان والتي أدّت لانفصال الجنوب لاحقاً عام 2010 وعقدت الحكومة جلسات مصالحة وتفاوض متعددة مع حركات دارفور المتمردة في أبوجا وطرابلس والدوحة.
أدي ارتفاع أسعار البترول والانفتاح الاقتصادي بعد اتفاقية نيفاشا إلي تدفق الأموال علي خزينة الحكومة السودانية وصاحب ذلك استشراء للفساد والتنافس علي الوطائف والامتيازات والرشاوي للأحزاب السياسية والناشطين إضافة لضعف العامل الأيديولوجي والوازع القيمي العاصم عن الولوغ في الفساد لدي منسوبي المؤتمر الوطني وانخفاض صوت النفس اللّوامة وأدي ذلك لنشوب تنافس بين القيادات العليا للمؤتمر الوطني علي خلافة البشير وعلي اقتسام السلطة
المرحلة الثالثة للأنقاذ – مرحلة الحوار الوطني وجرد الحساب 2011 – 2019:
وتميزت بالآتي:
انفصال جنوب السودان وانحسار الموارد المالية التي كان يجلبها البترول ثم حدوث الربيع العربي في نفس عام الانفصال فحدثت أزمة اقتصادية خانقة أدت إلي الحراك والاحتجاجات العنيفة في سبتمبر 2013 والتي تعامل معها النظام بغلظة واستعمال مفرط للقوة أدّي لوفاة ثمانين من الشباب المحتجين ونتيجة لذلك انشقت مجموعات كانت تنادي بالإصلاح داخل المؤتمر الوطني بقيادة غازي صلاح الدين الذي كان يشغل وظيفة مستشار الرئيس وتقلد عدة مناصب وزارية وسياسية في الدولة بما فيها منصب الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني وكذلك تم إجهاض محاولة انقلابية كان يقف خلفها قيادات بارزة في الدولة والحزب.
تلي ذلك اختلال في موازين الثقة والقوة داخل الحزب الحاكم أدت لتركيز كل السلطات في يد الرئيس ومكنته من إقصاء أقوي رجلين داخل النظام في العام التالي مباشرة وهما نائبه الأول وأمين عام الحركة الإسلامية السابق الأستاذ علي عثمان محمد طه وكبير مساعديه ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني القوي د نافع علي نافع وكذلك تمكن الرئيس من إعادة انتخابه لدورة جديدة في عام 2015.
قام الرئيس بدعوة القوي السياسية في يناير 2014 إلي حوار وطني بغية التوافق علي خارطة طريق سياسية تضمن التداول السلمي للسلطة تخلف عن هذا الحوار حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي والحركات المسلحة وبعض الأحزاب الليبرالية الصغيرة وكان أبرز المستجيبين لدعوة الحوار هذه الشيخ حسن الترابي زعيم الحركة الإسلامية وأبوها الروحي الذي أقصاه عمر البشير عن منصب الأمين العام للمؤتمر الوطني ومن رئاسة البرلمان وقام عمر البشير بطرده من الحركة الإسلامية وأعاد تشكيلها من أعضاء موالين له وكذلك انضم إلي دعوة الحوار الدكتور غازي صلاح الدين الذي تم فصله من المؤتمر الوطني لاعتراضه علي قمع المتظاهرين في احتجاجات سبتمبر 2013 فأسس حركة الإصلاح الآن وكذلك استجابت للحوار بعض الأحزاب الصغيرة وناشطون سياسيون يقيمون خارج السودان.
نتجت عن هذا الحوار مخرجات التزم الرئيس عمر البشير بتنفيذها وشكّل الحكومة الحالية التي يسمونها حكومةالحوار الوطني بناءاً علي تلك الاتفاقية.
بعد هذه الأحداث تركزت السلطات جميعها في يد الرئيس عمر البشير حتي صار مدير مكاتب الرئيس السابق السيد طه عثمان الحسين يمتلك نفوذ الرجلين الكبيرين السابقين في الحكومة والحزب وكذلك تم انتخاب الأستاذ الزبير أحمد حسن أميناً عاماً للحركة الإسلامية وهو يعتبر من رجال الصف الثاني وهو مصرفي إسلامي ورجل حسن السيرة.
ونتيجة للفراغ الناتج فى موازين القوى داخل المؤتمر الوطنى سعى الرئيس عمر البشير الترشح لدورة رئاسية ثالثة والقيام بما يحقق ذلك من تعديل لدستور السودان والنظام الأساسى لحزب المؤتمر الوطنى للسماح بحدوث هذا الترشح.
ونتج عن غياب القيادات المؤثرة والتاريخية عن الساحة السياسية أن تمدد الفساد المالي والإداري في كثير من مفاصل الدولة وتناسلت القطط السمان ونامت نواطير الدولة عن ثعالبها وقططها التي أكثرت في الأرض الفساد.
كما تم تأطير قوات الدعم السريع – التي أسست في مبتدئها لمحاربة حركات دارفور المسلحة واستطاعت أن توقف زحف هذه الحركات وتحجيمها ومحاصرتها في جيوب صغيرة داخل دارفور – فتم تأطيرها لتصير جزءاً من القوات المسلحة السودانية حيث كانت تتبع في السابق لجهاز الأمن ولرئاسة الجمهورية.
وصارت سياسات الحكومة السودانية الخارجية مكتملة الاندغام مع سياسيات دول مجلس التعاون الخليجي تحديداً المملكة العربية السعودية وقطعت الحكومة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وشاركت بقوات سودانية في حرب اليمن وذلك مقابل أن تقوم المملكة العربية السعودية بدعم النظام مالياً وضمان شريان حياة مالي له.
الاحتجاجات الحالية / ديسمبر – يناير الأسباب والمآلات:
اجتاحت السودان ضائقة اقتصادية بسبب تهاوي قيمة الجنيه السوداني عقب تطبيق سياسات خاطئة تم بموجبها إعادة تقييم الدولار الجمركي إلي ما يعادل ثلاثة أضعاف قيمته السابقة في ديسمبر 2017 فأدي ذلك إلي فقدان الجنيه السوداني حوالى 70% من قيمته أمام الدولار وتم مضاعفة سعر الخبز وصاحب ذلك ندرة في الوقود وغياب شبه كامل للسيولة النقدية في المصارف التى فشلت في إيفاء ودائع عملائها فانفجرت الأحداث في 19 ديسمبر 2018 وما زالت موجة الاحتجاجات متقدة في أسبوعها الثالث.
مآلات وخيارات الخروج من الأزمة:
1. الحلول الأمنية – وهى مواصلة القمع حتي الوصول لمرحلة إنهاك المتظاهرين وتوقف المظاهرات وهذا سيكون حلاً مؤقتاً إذ يمكن للاحتجاجات أن تنفجر في أي لحظة مستقبلاً ويكون المتظاهرون فد تزودوا بخبرات تراكمية في الأعمال الاحتجاجية واكتسبوا داعمين جدداً.
2. إزدياد وتيرة الاحتجاجات حتي تؤدي إلي مرحلة الإضراب الشامل وانهيار النظام – ومن واقع الاستقراء للنظام الحالي وتكويناته المتجذرة فإن هذا الخيار سيكون شديد الكلفة وأشبه بالسيناريو السوري ومستبعد الحدوث.
3. إعلان حالة الطواريء وحل الحكومة الحالية وفرض الأحكام العرفية وتجميد الدستور – هذا الخيار سهل في تنفيذه ولكن الخروج منه سوف تصحبه إشكاليات كثيرة وله ارتدادات وتبعات إقليمية ودولية وأممية واقتصادية وسوف يؤدي لتأخير الاستحقاق الانتخابي وتعطيل الدستور وأيضا تأجيل رفع العقوبات الأمريكية وسوف يكون مرهقاً لكل الأطراف. وقريب منه أيضا سيناريو استلام الجيش للسلطة وإن كان هذا الخيار سوف يعيد توزيع أوراق اللعبة ويكون أشبه بمراحل الإنقاذ المذكورة في عاليه وهو أقل كلفة من إعلان الطوارئ ويتطلب هذا الخيار بروز قيادة عسكرية جديدة تكون مقبولة داخليا وأقليميا وعالميا حتى يتم فك الاحتقان وتدفق المساعدات المالية من الخارج.
4. الحل السياسي بتشكيل لجنة للحوار مع المحتجين والوصول إلي اتفاق – هذا الخيار مستبعد نسبة للشد الحادث بين الطرفين ولعدم ثقة المحتجين في النظام بالنظر لمآلات الحوار السابقة كما أن المحتجين ليس لديهم قيادة مركزية أو جسم سياسي مستقل. وأيضا هذا الخيار سوف يجرد الأحزاب المتعاونة مع المحتجين استتارا من هامش المناورة السياسية وقطف الثمار اليانعة للثورة
5. أنا أري حلاً خارج الأطر أعلاه وهو أن يعلن الرئيس تعجيل انتخابات 2020 علي أن تقوم خلال 6 أشهر من الآن في يوليو 2019 ويتم حل الحكومة الحالية وإعلان تشكيل حكومة مؤقتة من التكنوقراط لتصريف الأعباء والإشراف علي الانتخابات القادمة – هذا الاقتراح في نظري يتماشي مع روزنامة الاستحقاقات الدستورية بتعجيل لمدة عام واحد فقط تقديراً للظرف الدستوري الذي تمر به البلاد وأيضاً نتيجة لفشل الحكومات المتعاقبة المزمن في معالجة الأزمة الاقتصادية كما أن هذا الحال يتناغم مع مطالب الشباب في التغيير الديمقراطي وسوف يوجه العقل السياسي الجمعي للنخبة السودانية نحو العملية الديمقراطية المرتقبة لإحداث التغيير المنشود لهذا الوطن المنكوب المعطوب المحبوب.
** رئيس الجمعية الطبية السودانية بالمملكة المتحدة وأيرلندا والأمين العام السابق لمجلس الخبراء والعلماء السودانيين بالخارج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.