* جميل جداً أن يتم الرهان على الداخل، وأن يضع رئيس الوزراء معتز موسى كل بيض حكومته في سلة الإنتاج المحلي، وأن يتحرك من موقعه مدفوعاً بماكينة الصادر، لتغطية الفارق الملياري في ميزان المدفوعات، وردم الهوة التي تفصل كلفة الواردات عن الصادرات. * لا جدال على أن بلادنا تزخر بالخيرات، وأن الإمكانات التي تتوافر لها يمكن أن تحولها إلى دولة عظمى، بأنهارها العذبة، وأراضيها المنبسطة الخصبة، ومناخها المتنوع، الذي يمنحها ميزة إنتاج عدد كبير من المحاصيل الزراعية، بدءاً من القمح والفول السوداني والمصري والذرة والكركدي وزهرة عباد الشمس والعلف والبقوليات، مروراً بالذرة والقطن والسمسم، وانتهاءً بالصمغ العربي وبقية منتجات السافنا بنوعيها، الفقيرة والغنية. * بلاد تجري من تحتها الأنهار، من لدن النيلين، الأزرق والأبيض، ونهر عطبرة وستيت والقاش والدندر والرهد وطوكر، بخلاف عشرات الأودية والخيران، ومياه جوفية عذبة لا تنضب، وموارد معدنية متنوعة، تبدأ بالذهب والفضة، وتشمل الحديد والنحاس والكروم والمنجنيز والإسبستوس والرخام والجرانيت والجبس والمايكا والملح والرمال السوداء وغيرها. * موارد (ما ليها حد)، وخيرات لا تنضب، الرهان عليها طبيعي، والسعي إلى استثمارها والاعتماد عليها مطلوب، بشرط أن تدار بنهج سليم، وأن تستثمر في ما ينفع البلاد والعباد، بمنع تسرب عوائدها إلى الفاسدين. * تابعنا رهان معتز على الإنتاج منذ أيامه الأولى، وشاهدنا همته في التحضير للحصاد، وتقديراته المرتفعة لصادرات الموسم الصيفي، وتعويله عليها لتغطية جانب مقدر من حاجة البلاد من العملات الأجنبية، فهل تحقق شيء من ذلك الرهان؟ * في المنتدى الذي نظمه الزملاء الأفضال بصحيفة (السوداني)، واستضافوا فيه رئيس الوزراء معتز موسى، سألته عن مصير محاصيل الموسم الصيفي، واستفسرته عن شركات مجهولة الهوية، لم يعرف أحد هويتها، تدخلت في سوق السمسم، ورفعت أسعاره إلى أرقام فلكية في أيام معدودات. * عندما ظهر ذلك الغول المجهول كان سعر قنطار السمسم في حدود (2700) جنيه، تساوي (1136) دولاراً، ترتفع إلى (1380) دولاراً (فوب في بورتسودان) وكان سعر طن السمسم خارجياً (1500) دولار، وهو سعر مجزٍ للمصدرين. * بأمر تلك الشركات طار سعر القنطار إلى (4500) جنيه، لتصل كلفة الطن (فوب) إلى (2105) دولارات، بينما وصل سعره خارجياً إلى (1800) دولار. * من يصدرون السمسم اليوم يخسرون حوالي (300) دولار في كل طن، فكيف يستقيم ذلك عقلاً؟ * واضح أن تلك الشركات ترغب في الحصول على الدولار بأي طريقة، وأنها تفعل ذلك بشراء السمسم بالجنيه بأي سعر، حتى ولو أدى فعلها إلى تدمير صادراته تماماً. * معلوم للكافة أن سوق الصادر يحوي باعة آخرين، من دول أخرى، تقدم لمنتجيها ميزات نوعية، وتسهيلات كبيرة، كي تخفض بها كلفة الإنتاج، وتمنح منتجاتها ميزات تفضيلية في الأسواق العالمية. * الشركات المجهولة ضربت تلك القاعدة وأصابتها في مقتل، وتسببت في إضعاف القوة التنافسية للسمسم السوداني في الأسواق الخارجية، لذلك سألنا عن هويتها، سيما وأنها أخرجت عدداً من أشهر مصدري السمسم من أسواق الصادر. * من أين أتت؟، ومن المستفيد من الحرب الباردة التي شنتها على أهم وأقيم محاصيل السودان؟ * لم نحصل على إجابة، لكن الثابت أن معظم من صدروا السمسم احتفظوا بحصائل صادراتهم في الخارج، ولم يوردوا منها إلا النزر اليسير، ومن وردوا بعضها فعلوا ذلك لتغطية كلفة استيراد بضائعهم من الخارج. * معتز توعد من لم يوردوا حصائل الصادر بحرب طويلة (الفورة فيها مليون). * نحن لا نرفض تلك المساعي، لكننا نتعشم في علاقة صحيحة، تقوم على المصالح، وتستند إلى التعاون المتبادل، لتحقيق ما يدعم الاقتصاد الوطني، ويغطي حاجاته، ويدعم صادراته. * المصدرون يشكون من اتساع الهوة بين سعر آلية صناع السوق، وسعر السوق الموازية، ويطلبون سعراً أفضل، والحكومة ممثلة في رئيس الوزراء ترى أن السعر المعلن مجزٍ وحقيقي، وبين هذا وذاك تتباعد المواقف، ويئن الاقتصاد، وتضيع المكاسب التي جادت بها أرضنا المعطاء. * مطلوب حل وسط بين هذا وذاك، وعلاقة تصالحية، تحقق أهداف الطرفين. * ذلك لن يتحقق مع شركاء مجهولين، يرفعون أسعار أهم منتج إلى عنان السماء، ليصاب بالكساد في أسواق الصادر. * مرة أخرى نسأل: من أين أتى مصدرو السمسم الجدد؟، ومن المستفيد من أفعالهم الغريبة المريبة؟