رقم البطاقة الشخصية.. رقم جواز السفر.. رقم الجنسية.. رقم شهادة الميلاد.. رقم بطاقة العمل.. رقم بطاقة التأمين الصحي.. رقم الحساب البنكي.. رقم المنزل.. رقم لوحة السيارة.. رقم الموبايل.. والموبايلات الأخرى.. تواريخ الأشياء والمناسبات..! ياه.. هل علينا أن نحتفظ ونحفظ كل هذه الأرقام.. أي ذاكرة بشرية مؤهلة للقيام بهذه المهمة الرقمية الصعبة والمستحيلة.. ما نعجب له أن بعض الناس يستطيعون و بامتياز حفظ كل الأرقام، ولا يحتاجون لمعين وسيط أو الاستعانة بصديق، هم مؤهلون لذلك بمجرد أن تقع أعينهم على الرقم.. ينتقل مباشرة إلى ذاكرتهم الرقمية ولا يمسح أبداً..! آخرون وأنا منهم- لا يحفظون حتى رقم الهاتف المحمول الذي يخصهم.. وكأن ذاكرتهم على خصام مع الأرقام.. بعضهم يحاول ويفشل.. وأكثرهم لا يحاول على الإطلاق.. فهو يعرف ذاكرته الخربة جيداً.. ويكتفي بالرصيد والتسجيل المكتوب والموفق ليعود إلى الرقم الذي يبحث عنه وإلا فلن يجده أبداً.. حيث ذاكرته البيضاء تمسح كل شيء..! العالم من حولنا تحول بالفعل إلى منظومة رقمية ممغنطة.. تشبه (ذاكرة الهاتف الجوال) باختلاف درجات اتساعها.. ولغة الأرقام هي المدخل الأول لفهم درس العولمة أو (الأرقمة).. ومن لا يجيد هذه اللغة المادية لا مقعد له في هذا العالم المتعولم.. وليس بالضرورة أن تكون (شاطراً) في الحساب والرياضيات.. فالآلات الحاسوبية وغيرها من الوسائط الرقمية الحديثة أصبحت تقوم بالمهمة كاملة.. ولكن عليك أن تكون مستجيباً للفكرة.. وأن تخضع لفرضياتها.. أي أن تكون شخصاً رقمياً.. فتدريجياً سيتحول البشر جميعهم إلى مجرد أرقام.. وقد تتراجع الأسماء نفسها لصالح الأرقام.. وبدلاً من أن تكون (فلان) ستكون صاحب الرقم (كذا) ولن يخلو الأمر من محاولة البحث عن أرقام مميزة.. وهذا بالطبع سيكلف كثيراً.. ولن يقدر عليه إلا أصحاب السلطة والجاه.. فعالم الأرقام الآتي لا محاولة لأن يكون عادلاً كما نظن.. ولن يمحو الطبقية.. ولن يدعو لتكافؤ الفرص.. بل سيرفع شعار البقاء للأقوى.. للذي يستطيع حصد أكثر وأكبر الأرقام. المستقبل سيشهد لغة أخرى.. لن نقول أهلاً يازول.. بل أهلاً يارقم.. فلا وقت للأسماء ولا وقت لمعرفة من تكون.. بل كل الوقت لمعرفة ما تملك وما تنتج.. وما سينوب الذين حولك من حفظهم لرقمك أو تجاهله تماماً. ولأن كل شيء سيصبح )أعداداً رقمية( في متوالية ضخمة اسمها (العولمة)، فإن كلمة السر لدخول هذا العالم حتماً ستكون رقماً أيضاً. لكنه رقم صعب.. لا يفهمه ويعرفه إلا الذين طبخوا اللعبة كلها.. وأمسكوا وحدهم بخيوطها ومفاتيحها.. ليدخل أو يخرج منها الذين يشاءون له ويرغبون فيه.. فلا وقت للحرب ولا السياسة ولا الدبلوماسية ولا التصريحات ولا جلسات مجلس الأمن وحقوق الإنسان. فقط سيجعلون هذا الرقم (عاطلاً) و (مشفراً) وخارج الشبكة.. وغير قادر على التواصل مع المنظومة الرقمية... لأنه باختصار مغضوب عليه ولا يعرف الرقم السري ولا يريد أن يعترف بأنه مجرد (رقم).