الزمن خير مؤدب، يهادن، يجامل، يعطي ويغدق العطاء أحيانا، لكنه يجور أيضا، أدوات الجور ومظاهره لا تحصى، منها الفجائي ومنها التراكمي مثل التقدم في السن والمرض. الزمن لا يفرق بين البشر وباقي المخلوقات، حتى المؤسسات والشركات تسقط أحيانا وتخسر لعبتها مع الزمن، بعضها يخسر باكرا والبعض الآخر يخسر في الزمن الإضافي، ومع ذلك تظل الخسارة واحدة بصرف النظر عن توقيت وقوعها. "ندخل في الموضوع" إفلاس شركة كوداك رائد صناعة التصوير الفوتوغرافي في العالم، انهارت كوداك، لاذت بقانون الإفلاس الأميركي لتحمي نفسها من الدائنين. أسست الشركة عام 1880 ومنذ ذاك التاريخ وهي تحقق النجاح تلو الآخر في صناعة أفلام التصوير وتقنيات التحميض وصناعة الصورة الفوتغرافية عموما ويكفي استخدام كاميراتها في تصوير القمر يوم حط عليها ارمسترونغ ورفيقه عام 1969. تواصلت نجاحات الشركة، فاخترعت التصوير الرقمي، جنت المليارات من وراء ذلك، توسعت أعمالها وتشعبت في عالم الشركات الأميركية التي تعمل كما الأخطبوط تماما. بدأت كوداك تترنح، طفت مشاكلها على السطح والمفارقة إن خسائرها أخذت تتراكم بسبب الاختراع الذي دفعت به إلى العالم أي تصوير الرقمي. حاولت التعويض بالتركيز على صناعة أحبار التصوير وتقنيات الألوان، حاولت كل شيء لكنها خسرت أمام الهواتف المحمولة وصناع الكاميرات الرقمية الآخرين. الهواتف المحمولة ورثت أكثر من جهاز وتقنية ومؤسسة، الكاميرا والتلفزيون والبريد والآلات الطابعة والكومبيوتر الشخصي والمحمول، شركات ومصنعون كثر سيفلسون إذا لم يتداركوا الأمر ويتكيفوا مع العمل في سوق شديدة المنافسة وسريعة الإيقاع. على كل صاحب عمل التفكير مليا وقراءة الإحصاءات التي تقول إن تقنيات الانترنت والاتصالات تجدد نفسها بخمسة وسبعين ضعفا سنويا وربما أكثر فالأرقام والإحصاءات لا تصمد طويلا أمام روح التنافس "الغينيسي" نسبة إلى موسوعة غينيس للأرقام القياسية، تحطيم الأرقام لم يعد هواية بل تجارة وعلوما ومساهمة في صناعة المستقبل. ملايين البشر يتذكرون كوداك بشعارها وألوانها المميزة الأحمر والأصفر، يتذكرون علبها البلاستيكية المحكمة الإغلاق وهي تحتضن الأفلام مقاس 25 و 36 ، يتذكرون كاميراتها وبقية منتجاتها التي يعرفها المشتغلون في التصوير والتحميض أكثر من المستهلكين العاديين. كوداك تراهن على العودة مجددا، المسيرة لم تنته بعد، تقول إدارة الشركة: قد ننسحب من السوق بعض الوقت، لكنا لن ننسحب من ذاكرة الناس، تشدد الشركة. "اضغط الزر ودع الباقي علينا" شعار أو إعلان أطلقته كوداك في بدايات القرن الماضي، ضغط المستهلكون الزر مليارات المرات وتولت كوداك إكمال المهمة، اكتشف المستهلكون أزرارا أخرى، أسرع وأجدى من أزرار كوداك، تولى المستهلكون إكمال المهمة بأنفسهم هذه المرة ، مهمة واحدة يجب على كوداك إكمالها وهي إنقاذ نفسها واسمها وعلامتها التجارية من شبح الإفلاس.