عبد الباسط شاطرابي تمر أيام وربما أسابيع، دون أن أجد حاجة فعلية لزيارة مقر الصحيفة، والسبب أن العفريت المسمى الإنترنت، يغنيني عن المساسكة، حيث أكتب العمود من أي مكان، وأقوم بإرساله من نفس المكان، كافيا نفسي والصحيفة والمنطقة التي يقع فيها المقر .. شر الزحمة !! قبل أيام جمعني لقاء مع بعض المشتغلين بالحقل الصحفي، وتحدثنا عن بعض الإمكانات التقنية المتاحة دون عناء كبير، لكن الكيانات الصحفية ما زالت تتعامل معها بحياء، وربما بسلبية، في حين أن المردود من تلك الإمكانات، سيكون دون شك في صالح تلك الكيانات، بمثلما هو في صالح الصحفيين وغيرهم ممن تضمهم الصحف . اجتماعنا خرج برأي واحد، هو أن نصف العاملين في الصحف، يمكن أن يؤدوا مهامهم كاملة .. دون أن يكونوا مضطرين ليعسكروا في مقار صحفهم . كل المطلوب من الصحف، أن تدرب منسوبيها على استعمال الحاسوب، وهو تدريب يكلف مبالغ زهيدة جدا قياسا بالمردود، ثم مساعدة العاملين فيها على امتلاك أجهزة حواسيب يتم توفيرها بسعر الجملة، ويمكن أن يتم دفع أثمانها مناصفة بين الجريدة والعاملين المتعاقدين معها، أو أن يتحمل العاملون، وخصوصا غير المتعاقدين، أثمانها كاملة .. مستفيدين من تسهيلات الجملة، ومميزات التقسيط بضمانة الصحف . التدريب مفيد جدا للصحف، حتى لو لم تسهم في تمليك منسوبيها لأجهزة الحاسوب، فالصحفي المتدرب على التعامل مع الكمبيوتر، والقادر على الطباعة باللمس، يمكنه بسهولة إعداد مواده وإرسالها من أي حاسوب متوفر .. أو من أي مقهى إنترنت، وهو أمر قد يكلفه جنيها أو جنيهين، في حين أنه لو سلك دروب الذهاب اليومي، وإنفاق المال في المواصلات التي تزداد معاناتها مع كل صباح، ثم التكدس في الأماكن المحدودة بمقار الصحف، هذا عدا ما يطرأ عليه من مصروفات تتداعى على رأسه جراء التنقل، فإنه سيجد أن خسارة جنيه أو جنيهين في إرسال مواده، (أرحم) من الذهاب الذي يشكل بندا مفتوحا للصرف ! حتى الصحف .. ستجد أنها تحقق تطورا نوعيا في العمل، فالمواد التي تأتي مكتوبة على الحاسوب، تستغرق في العادة وقتا أقل في إعدادها للنشر، وجهدا أقل في فك طلاسمها بسبب الخط، كما أن وجود الكادر الصحفي بعيدا عن المقر لأطول وقت ممكن .. يخفف الضغط على المرافق والخدمات بالمقار، بل ويخفف مصاريف الإيجار للمقار الكبيرة المتسعة .. التي تضيق مهما بلغ اتساعها مع مرور الوقت، فيصبح بالإمكان استئجار مقار صغيرة المساحة، سهلة الإدارة والتنظيف والتنظيم، وفوق ذلك تكون زهيدة السعر، ومحدودة العاملين بها، ما ينعكس في النهاية خيرا على الصحيفة .. وعلى كادرها الذي يعمل بها . طبعا الأمر لا يجب أن نرميه بكامله على عاتق الصحف، فهناك أدوار منتظرة من مجلس الصحافة والمطبوعات، ومن اتحاد الصحفيين .. ليكون التدريب مستمرا على مدار العام، وبأعداد كبيرة ومقنعة، حتى نستطيع اللحاق بركب من سبقونا . صحف العالم الآن، لا يؤم مكاتبها إلا القلة، لأن الأغلبية ترسل موادها بالإنترنت، وحتى رؤساء التحرير، قد يطلعون على صحفهم قبل النشر وهم خارج بلادهم، ويستطيعون أن يضيفوا ويحذفوا ويضعوا لمساتهم، وكل ذلك بفضل التدريب والتقنية التي ما زلنا بعيدين عن استغلالها .