مارست شبكة النت شقاوتها أمس، وأرغمت (تحت الغيم) على الغياب قسريا، رغم أن إطلالة العمود ما زالت في أيامها الأولى ! ركب العناد الشبكة ، فقامت بحبس المقالة ومعها العديد من المواد في بطنها، وبدت ضنينة بالتفريط بما في جوفها ! رسالة قصيرة اقتحمت تلفوني صباح أمس من قارئة متابعة : (وين العمود يا أستاذ) ؟ التساؤل كان كافيا لأعرف أن الزاوية قد جرفها الطوفان، فالقارئة من النوع الذي يتابع الصحف بنهم كل صباح، ولو كانت الزاوية منشورة لما بادرت بالسؤال . اتصالات سريعة أجريتها بعين نصف مغمضة، لأعرف أن الشبكة كانت (ثقيلة)، وأن محاولات قطبي السكرتارية الزميلين حسام ونازك قد ذهبت أدراج الرياح، حيث ركبت الشبكة رأسها، وأصرت على فرض سطوتها دون اكتراث لأي نتائج ! إنه مهر التقنية! قبل سنوات قليلة كنا نكتب ما نكتب، ونحمل أوراقنا قاطعين المسافات صوب مقار الصحف، فتبقى هناك منتظرة من خلال طابور المواد، إلى أن يحين موعد جمعها، ثم تصحيحها، ثم تحويلها للإخراج، في عمليات طويلة ورتيبة تستنزف الأعصاب وقتا وجهدا. فجأة وجدنا أنفسنا في لجة الثورة الباهرة ! جاءت التقنية بالحاسوب، وبالإنترنت، وصارت موادنا لا تعرف القلم التقليدي، وبتنا نكتب ونكتب، ثم بلمسة زر، نحيل ما كتبناه لشبكات الصحيفة، دون مغادرة أمكنتنا، ودون تضييع الساعات في طوابير الجمع والتصحيح والإعداد والإخراج.لكن المسألة ليست دائما عسلا !! وكثيرا ما تمارس التقنية لؤمها، وشقاوتها، وعنادها، ومقالبها، فتحيل سعادتنا تعاسة يصعب بلعها ! أعرف الكثيرين ممن ضاعت جهودهم، وطارت ساعاتهم الطويلة وهم يكتبون ويدونون على الحاسوب، بسبب السهو عن حفظ الملف، أو بسبب انقطاع الكهرباء قبل حفظ المادة. وكم عانيت من هذا الأمر خصوصا قبل سنوات خلت، فضاعت أجمل الزوايا، تلك التي لا يمكن إعادتها، حيث تبخرت الحالة الشعورية التي أسهمت بصناعتها، وباتت دخانا لا يقدر على تجميعه حتى الجن الأزرق ! سارعت بالعودة لبريدي الألكتروني، وفتحت الرسائل التي سبق إرسالها ل (آخر لحظة)، فإذا بالزاوية قابعة هناك، لأتنفس الصعداء، بعد أن تلاعبت الكوابيس برأسي، وملأتني الخشية أن تمتد ليالي الأفراح، وتقتحم بريدي الفيروسات، لتحيل عمارها خرابا !! أدخلت الزاوية مسرعا إلى (الفلاش)، فالفلاش مكان آمن أكثر من الشبكة العنكبوتية، وقبل أن أخرجه، خطر لي تدوين ما حدث، فإذا بالزاوية التي كان مكانها عدد الاثنين، تتدحرج للثلاثاء، ثم للأربعاء، ليجد القارئ أمامه اليوم هذه المقالة التي لم تكن أبدا على البال! نعم .. هو مهر التقنية!