خيالي يحدثني وهو لا يشطح كثيراً.. حركة دؤوبة أمام مكتب رئيس الجمهورية.. تدافع وهرولة بين أصحاب الياقات البيضاء وأصحاب الميري.. كل واحد منهم يتأبط ملفاً أنيقاً يحمل عنواناً واحداً مشتركاً يقول: (كلو تمام يا ريّس)؟!.. الوضع الاقتصادي (كلو في السليم)، الوضع السياسي (ما في أحسن من كدا)، الوضع الأمني (مية المية).. السيارات المظللة تهدر محركاتها بالخارج حتى يظل المكيِّف يعمل ليجد المسؤول جو السيارة محتفظاً بدرجة حرارة أقل من (20) درجة.. النار سيدي الرئيس من مستصغر الشّرر.. شرارات يقول عنها أولئك إنها مظاهرات محدودة ومعزولة؛ يقوم بها (شوية أولاد).. يقولون: إن الحسم الشرطي ولا شيء غير الحسم هو الترياق الذي سيفرق أولئك (الوليدات) شذراً مذراً.. الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتأزمة الحالية هي بيدهم هم، وليست بيد عمرو.. يريدونك سيدي ومعك الشعب المسحوق؛ أن تدفع ثمن أخطائهم و(لخابيطهم).. عندما قرروا فرض مصيبة (المعالجات) الاقتصادية، لوّحوا بالهيكلة وتخفيض الدستوريين.. لكنهم وضعوا العربة أمام الحصان، وطبّقوا رفع الدعم بعَجل فزادوا البنزين والسكر، بينما بقيت الهيكلة في رحم الغيب، ونسمع جعجعة ولا نرى طحيناً.. الإجراء السياسي السليم أن تطبق الهيكلة وعملية التسريح الجماعي لجيوش الدستوريين أولاً، ثم من بعد ذلك يتم تطبيق روشتة البنك الدولي عسى ولعل أن يخفف ذلك من غلواء الشارع وغضبه.. لكن جماعة (كلو تمام يا ريس) لم تفعل ذلك وهي في استخفافها بالأوضاع المتأزمة.. سادرة. تذكرون تلك الصيحة الكبرى التي أطلقتها عضو البرلمان "سعاد الفاتح" وكانت صيحة في وادي الصمت.. الصيحة كانت تتحدث عن أوضاع ما قبل زيادات البنزين و السكر.. المرأة الحديدية؛ حذرت الحكومة من انفجار الشعب وضياع (الإنقاذ) والحكومة إن لم تعجل بانتشال الشعب ورفع المعاناة عن كاهله، وقالت: (الناس تعبانين شديد وصلت بيهم الحالة وجبة واحدة بسخينة ما قادرين)!!.. وأضافت: (خلو بالكم وديروا بالكم الشعب ده ما هين بسكت بسكت ولما ينفجر ربنا يستر).. القيادية المخضرمة رأت شجراً يمشي، ونبهت بأشد العبارات، لكن بدلاً من تصحيح تلك الأوضاع، زاد جماعة (كلو تمام يا ريس) الطين بلة، ورفعوا الدعم؛ رضي من رضي، وأبى من أبى.. أولئك يتناسون أن الفقر من أكبر أبواب الثورة أو الانحراف؛ فصوت المعدة أقوى من صوت الضمير، وإن ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر: خذني معك.. سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذي اتخذ أعظم تدابير لمواجهة مجاعة عام الرمادة يقول: لو كان الفقر رجلاً لقتله.. ولو بيد الشعب لقتل جماعة (كلو تمام يا ريس) شرّ قتلة. ما هو المطلوب حتى لا تغدو (الإنقاذ) مثل عبد المعين؟.. لابد من قرارات سياسية تصحيحية فاعلة تقودنا إلى نوع من الاستدراك.. لابد من حل حكومة التأزيم واستبدالها بحكومة أزمة تدير الشأن الاقتصادي والسياسي المتدهور بسرعة متزايدة.. هذه المظاهرات (الشرارات) لا يجدي معها التعامل ب(الحسم) الشرطي.. العنتريات لا تحل قضية؛ لكن التفكير السياسي الهادئ، والإحاطة بمجمل المسرح السياسي هو الطريق السليم. • آخر الكلام: الحسرة تخنق المشفقين؛ (18) برجاً تم إنشاؤها في الخرطوم.. متوسط تكلفة البرج الواحد خمسون مليون دولار؟!.. سوء توظيف عائدات البترول أدى لتحويل ما يقارب مليار دولار في إقامة أبراج فارهة ذات واجهات زجاجية تمد ألسنتها لأولئك الذين مازالوا ينتظرون بناء المستشفيات والمدارس والجامعات خارج الخرطوم.. تلك الأبراج المتطاولة بناها الوزير الفلاني (فشخرة) كمقر لوزارته التي لم تقدم شيئاً في مجال اختصاصها للمواطنين بدعوى تحسين بيئة العمل!!.. ثم يأتي من بعده وزير آخر لمعالجة إهدار أموال الدولة؛ فيقرر أن يحول البرج مثلاً للاستثمار العقاري، ويبحث عن جهات لتأجير البرج فلا يجد في بلادي كلها شركة أو مؤسسة اعتبارية ترى أن نشاطها وحجم عملها التجاري يمكنها من أن تستغل مكاناً بتلك الفخامة!!.. فإما يبقى البرج خالياً أو أن يؤجر لمن لا يستحق بسعر السوق، وأي ثمن بخس دراهم معدودة؟!.. وبرضو ما زالت جماعة (كلو تمام يا ريس) تعيث فساداً.