مدت الأدوية لسانها لكل التطمينات الحكومية، وبدأت تمارس طيرانا يوميا بنسبة تتراوح بين 17% و20% ! الفيلم لم يبدأ بعد، فكل ما يجري الآن عبارة عن (مناظر) ما قبل العرض، والمصيبة أن التطمينات كلها باتت (فشنك)، فقد صحب رفع الدعم عن المحروقات .. تأكيدات بأن الدواء سيكون ضمن السلع التي لن تطالها الزيادات .. وقبل أن يتلاشى صدى تلك التأكيدات، ارتفعت الأدوية، وفق خبر نشرته المجهر، وانكشفت التطمينات الفشنك ! المهندس أسامة عبد الله، وزير الكهرباء والسدود، أراح من قبل نفسه، وصرح أمام الملأ في مايو الماضي .. بأن وزارته ستزيد تعرفة الكهرباء إذا زاد سعر الوقود، مبرئا ذمته قبل وقوع الصاعقة .. وقد أعذر من أنذر ! الفرق بين اشتعال الأسعار الدوائية، وتصريحات المهندس أسامة، أن الدواء كان مصحوبا بالتطمينات إياها .. ليصاب الناس بصدمة الارتفاع الكبير، وبصدمة الثقة في التطمينات الرسمية. لكن المهندس أسامة لم يشأ إغراق الناس في تطمينات لا يملك القدرة على الوفاء بها، فحذر في وقت مبكر، وهو الآن بحسب تصريحاته السابقة لا بد أنه يعد العدة لزيادة تعرفة الكهرباء .. وتلك من الهدايا التي سنصطلي بها ككارثة من كوارث الهدية الكبرى .. برفع الدعم عن المحروقات ! حتى وزير المالية .. لم يترك الناس يتململون في صاج المصيبة الاقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات، بل بشرنا، و(بعضمة) لسانه، بأن المحروقات يمكن أن تشهد زيادات جديدة فوق الزيادات الحالية، إذا ارتفعت أسعار البترول عالميا ! الناس كلهم الآن في مرحلة الصدمة .. والأسعار نفسها لم تعرف بعد .. القيمة الحقيقية للسلع، والفوضى الاقتصادية ضربت باطنابها، ومع ضبابية الرؤية .. فإن السلع جميعا .. دون استثناء تسجل ارتفاعات متوالية .. انتظارا لمعجزة تفرملها .. ليعرف السوق رأسه من رجليه ! ومع كل الأعباء المتصاعدة جراء القرارات الاقتصادية الجائرة .. تسير الحياة نحو درك سحيق .. لا أحد يعرف منتهاه، لكن الآثار لن تستثني شيئا .. وستمتد بأذاها إلى الاسر الكريمة في كل جوانب حياتها، وهو ما يتهدد المجتمع كله، لو يعلم أولئك المتنفذون ! إذا لم يتم تدارك الأمر، وإلغاء الإجراءات الاقتصادية التي غرست مخالبها في كبد المواطن، فسينقلب السحر على الساحر، وذاك أمر حتمي، حيث سيضغط السوق على المواطن، وسيضغط المواطن على الحكومة، وستجد الحكومة نفسها في مواجهة قاسية مع شعبها، والنتيجة معروفة، مهما طال الأمد، حيث لم تعرف البشرية انتصار حكومة على شعبها .. إذا وقعت الواقعة .. وحمي الوطيس بين الطرفين ! الأيام القادمة ستحمل المزيد من الأعباء على المواطن، والاعباء ستكون محفزا للمزيد من المواجهات، ومهما تسارعت المعالجات المتشتتة لإطفاء الحرائق هنا وهناك، فإنها لن تقوى على حل الضائقة .. إلا إذا تم ابتداع طرائق عبقرية، وتحقيق اختراقات سياسية حقيقية .. تبعد عن رؤوس الوطن عصا الحصار .. وتعيد ثقة الأشقاء في السودان، وتسهم في توفير ضخ مالي ليس مستحيلا على الصناديق ومؤسسات التمويل .. إذا ذاب توجسها من النظام. تلك بعض من الوصفة التي ستعيد للوطن قدرته على الإنتاج .. والزراعة .. والتعمير، والتقدم والازدهار .. وإلا فلا طريق آخر .. سوى الهاوية !