رغم ظلمة النفق، ورهق الحياة، قالت الإمدادات الطبية إنها أجرت تخفيضات على الدواء بلغت نسبته 49%، وشملت التخفيضات أدوية الضغط والسكري وبعض أدوية السرطان والأدوية المنقذة للحياة (الباهظة الثمن). نعم الضائقة بلغت درجاتها الأعلى .. لكن صحة الناس تبقى الأثمن، ولا بد أن تكون لها الأولوية، فلا إصلاحات سياسية أو اقتصادية أو غيرها.. ما لم تقم على ترقية الصحة، والحفاظ على حياة الناس من المرض، قبل أن تعرج إلى شؤونهم الأخرى المتعلقة بمعاشهم. يبدو أن الإمدادات تحاول إشعال شمعة، بعد أن أصبحت الظلمة في القطاع الصحي حديث القاصي والداني، فالتخفيض في الأسعار، هو سباحة ضد تيار السوق الذي نعيشه، وهو تيار كاسح لا يعرف التقهقر والتراجع، خصوصا بعد إطلاق شياطينه عقب رفع الدعم عن المحروقات! القرار محاولة للحفر على الصخر، والعقبات ستلاحقه من كل ناحية وصوب، لكنه على أي حال محاولة لمحاصرة الغلواء السوقية، ليس فقط بتثبيت السعر المرهق، ولكن بجذبه إلى أسفل ليصبح أكثر رحمة.. بجيوب الناس وصحتهم! أكبر العقبات، أن وجود الدواء نفسه يمثل تحديا أمام الإمدادات، بل أمام كل القطاع الصحي، فالأخبار التي تناولتها الصحف على صفحاتها الأولى مؤخرا، تشير إلى أن شركات متعددة تعمل في مجال الأدوية قد بدأت في الانسحاب من السوق، وتنصلت من التزامات لا تقبل التأخير في توفير الدواء للناس. والأرقام تقول إن هذه الشركات بلغت حوالي خمسين بالمائة من الشركات العاملة في القطاع الدوائي، ما يعني أنها تمارس ضغطا ما، حتى تحصل على قيمة أعلى للأدوية . طبعا لا نريد إفراغ المشكلة من محتواها، والبدء بوصف تلك الشركات بالجشع، فنحن، حتى الآن، لا نعرف طبيعة مشكلتهم، وقد كانوا حتى الأمس القريب يقومون بتوفير الأدوية للصيدليات، وسنفترض أن ضررا قد حاق بهم عقب تخفيض الجنيه أمام الدولار، وهو ضرر لم يقتصر بأي حال على قطاع الدواء وحده. عليه .. فإن قرار الإمدادات بخفض الدواء، سيظل حرثا في البحر، طالما أن تلك الأدوية تعاني شحا في الصيدليات، وطالما أن المريض يبتغي العلاج .. ولا يجد الدواء بسبب الندرة، ما يتيح مناخا نموذجيا للسوق الأسود .. الذي يمكن تفهم دخوله لقطاعات متعددة، لكن لا يمكن أبدا التساهل ليكون جزءا من سوق الدواء المهم للحياة . شركات الأدوية جزء من معادلة الوفرة الدوائية، وخروج نصف هذه الشركات من السوق جرس إنذار كبير، وإذا كانت وزارة الصحة الاتحادية وابنتها الإمدادات الطبية تريدان توفير الدواء، وبيعه للمرضى من المواطنين بالأسعار المخفضة التي تم الإعلان عنها، فإن عليهما، من قبل، الجلوس لتلك الشركات، والسماع لرأيها ورؤيتها، حتى لا يكون التخفيض نكتة تتداولها الألسن .. في ظل ندرة الدواء وربما دخوله السوق الأسود من أوسع الأبواب. إعادة الشركات الهاربة من سوق الدواء .. مهمة يجب أن تؤخذ بجدية، ليس فقط للحفاظ على التدفق الدوائي للصيدليات، ولكن منعا من هروب بقية الشركات الصامدة، والتي لا نستبعد أنها تفكر باللحاق برصيفاتها .. ما لم يتم تدارك الأمر . صحة الناس خط أحمر.. ولا أولوية تسبق ذلك.. أبدا أبدا .