* يصادف اليوم ذكرى مرور عام على الإعلان رسمياً عن انفصال الجنوب عن شمال السودان، وقد تم هذا الإعلان، كما هو معلوم بعد اعتراف حكومة الشمال بنتائج الاستفتاء على تقرير المصير، وقابلت سلطة جنوب السودان حينها هذا الإعلان باحتفالات ضخمة، رغم ذلك بعد الانفصال واجهت الدولتان إشكالات اقتصادية وسياسية وأمنية واجتماعية انعكست على البلدين؛ الأمر الذي دعا المراقبين للحديث عن أننا فقدنا الوحدة والسلام. المواطنون من جانبهم لم يختلفوا كثيراً عن المراقبين في تقييمهم للأوضاع، والعلاقة بين الشمال والجنوب بعد مرور عام على الانفصال، حيث اتفق معظم من قابلناهم، من الطلاب الجنوبيين وبعض الموظفيين في قنصلية بلادهم بالشمال، على أن الانفصال أدى إلى تدهور الأوضاع في البلدين، من بينهم كانت الطالبة ياسمين التي دعت إلى إقامة تأبين بدلاً عن الاحتفال بذكرى الانفصال، ووصفت الأحوال بالسيئة بعد اندلاع الحروب وتفاقم مساحة عدم الثقة بين البلدين، وأضافت أن البلدين مكملان لبعضهما بعضاً، فيما أكدت نادية سبت، الطالبة بجامعة بحري، أن الانفصال هو قرار الجنوبيين ومن حقهم الاحتفال، لكن نتائج الانفصال لم تكن جيدة كما يظن البعض لأنها خدمت فئات معينة، وقالت: (نحن مثلاً لم تُحل مشاكلنا في الجامعات حتى الآن)، وأشارت لعدم تأقلمهم مع الجنوب لأنهم نشأوا في الشمال، لكن القرارات السياسية التي يتم اتخاذها لا تراعي مشاعر وحاجات المواطن. في السياق ذاته يرى طالب جامعة النيلين، جون جوزيف، أن الانفصال تسبب في الضغط على الشعبيين عبر ما تمخض عنه من حروب وتعارض في المصالح، ووصف رفائيل جون، الطالب بذات الجامعة، الاحتفال بالمناسبة بالشعور الجميل للذين صوتوا للانفصال، لكنه أقر بان الانفصال لم يُلبِّ كل طموحات الجنوبيين وانصب في مصلحة فئات معينة، وكان الطلاب من الفئات الأكثر تضررا. * على المستوى الاقتصادي لم تكن الأوضاع بأفضل حالاً، فقد اندلعت حرب الاقتصاد بعد الانفصال مباشرة، حينما سارعت حكومة الجنوب بتغيير عملتها متجاوزة اتفاقها الذي أبرمته مع الشمال، ويبدو أن سلطة الشمال كانت على علم بهذه الخطوة التي كانت ستترك آثاراً سالبة على اقتصاد الشمال، طالما أن هناك أزمة ثقة بين مسؤولي الدولتيين، وكرد فعل لذلك قامت حكومة الشمال بإغلاق تجارة الحدود، التي أدت بدورها إلى ارتفاع الأسعار في الجنوب المعتمد على الشمال في احتياجات مواطنيه الأساسية، ووصل الأمر إلى أن أوصى النائب الأول علي عثمان في كلمة ألقاها بالبرلمان بمعاقبة المهربين، وفق نظرية القتل الفوري (shoot to kill) وفى سياق سباق الحرب الاقتصادية هذه، اتخذت حكومة الجنوب قرار قصم ظهر اقتصاد البلدين، تمثل ذلك في إغلاق أنبوب نفط الجنوب رغم اعتماده الأساسي على هذا المورد. * أمنياً كان واضحاً منذ أن احتضنت حكومة الجنوب الحركات المسلحة الدارفوية، وبالمقابل كان هناك حديث حول مساعدة حكومة الشمال للحركات المناوئة للجنوب، أن الأوضاع ستشهد مزيداً من التوتر بعد الانفصال، الذي بدأ بتبادل الاتهامات وانتهى باندلاع الحرب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وجرت محاولات لتسمية هذه المناطق بالجنوب الجديد، ثم جاء الهجوم على هجليج مبصوماً باعتراف مسئولي دولة الجنوب، وإعلان الدولتين أنهما في حالة حرب، وما يزال هذا الصراع قائماً في تلك المناطق، رغم ما حمله الإعلام أمس الأول من تصريحات على لسان وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين، عقب عودة الوفد التفاوضي من أديس أبابا، تفيد باتفاق الشمال والجنوب على إطار تفاوضي، ووقف جميع الأعمال العدائية، وأكبر دليل على ذلك تزامن اغتيال رئيس المجلس التشريعي إبراهيم بلندية بجنوب كردفان بواسطة كمين نصبه الجيش الشعبي مع هذا العزم والاتفاق الذي تعهد به المفاوضون. *مختصون كثر عزوا ما حدث بعد الانفصال، إلى فشل الاتفاقية في إعادة الثقة بين قيادات بلدين ظلا في مواجهات دموية لفترة قاربت العشرين عاماً، وتجاوزت الاتفاقية هذه المسالة المهمة في بداية التفاوض لتقفز لموضوع تقسيم الثروة والسلطة، واضعة في الاعتبار أن تقرير المصير سيقود إلى الانفصال، كما تم إبعاد المختصين في الفترة الانتقالية وأيام الاختلافات والتشاكسات حول كيفية إدارة الدولة، وأصبح الصوت الحاسم للقضايا محل الخلاف صوت النافذين في البلدين الذين فشلوا في التجانس والاتفاق في مرحلة الشراكة، وأسسوا إلى مثل هكذا إشكالات، وانتقلوا بهذه الروح وما أفرزته من عدائيات، لإدارة علاقة بلدين بعد الانفصال، وكانوا قد فشلوا من قبل في إيجاد حلول لقضايا ظلت علقة حتى الآن أبرزها منطقة أبيي التي تُعتبر بمثابة خميرة عكننة لأية علاقة تحاول الأطراف بناءها في المستقبل، بعد أن طال فيها مستوى التعبئة الشريحة الاجتماعية (القبائل). موضوع الحدود كذلك يمثل تحدياً آخر، بعد إضافة دولة الجنوب مناطق أخرى لم تكن مضمنة في الخريطة التي تم اعتمادها للنقاش، ووفقاً لاتفاقية نيفاشا، كما قالت حكومة الشمال، ويبدو أن مسئولي الجنوب لم يكونوا يرغبون ابتداءً في مناقشة هذه الخريطة، ووضح ذلك عندما أبدوا عدم اهتمامهم بالاجتماعات التي كانت تُعقد قبل الانفصال لحسم هذا الملف، وسبق أن قال رئيس لجنة الترسيم الحدود عبد الله الصادق أن ممثلي الجنوب في اللجنة يتغيبون عن الاجتماعات، والآن صار أمر الحدود أكثر تعقيداً أو هكذا بدأ مؤخراً حيث فشل متفاوضو البلدين في الاتفاق على نقطة صفر، دعك من الاتفاق على مناطق الخلاف. *دبلوماسياً لم يستطع القائمون على أمر الدولتين تأسيس علاقات ودية حيث، ظل الشمال والجنوب طوال هذا العام في تناكف وجدل مستمر حول هذه العلاقة، وفشلا حتى في إقامة سفارات يكون التمثيل فيها بدرجة سفير، واكتفى كل طرف بوجود ممثلين لدولته، بعد أن ظلت خطابات ترشحيهما قابعة لفترة من الزمن في منضدة الدولتين إلى أن تم مؤخراً اعتماد مطرف صديق كسفير لحكومة السودان لدى الجنوب، وتعبان وول كسفير لدولة الجنوب لدى السودان، بعد أن مارس المجتمع الدولي ضغوطه على الدولتين، وواقع الحال لا يبشر بعلاقات حميمة على ضوء وجود صراع وقضايا عالقة وحروب وعدم ثقة، وفي مثل هذه الأحوال يصبح الحديث عن العلاقات دبلوماسية سابقاً لأوانه، في حين أن هناك سفارات لدول أخرى باشرت مهامها في الجنوب عقب إعلان الدولة ، كما لم تتم خلال هذا العام زيارات لمسئولي البلدين بحجم المشاكل العالقة والمصالح المشتركة التي تربط البلدين، فخلال هذه العام زار رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت شمال السودان مرة واحدة كبادرة حسن نوايا، رافقه فيها عدد من الوزراء، وتمت مباحثات ثنائية بين اللجان الوزارية المشتركة، وكان يفترض أن يقوم الرئيس البشير برد الزيارة لفتح قنوات للحوار، وتبعاً لذلك دفعت حكومة الجنوب بأحد صقورها المعروف بعدائه لحكومة الشمال حاملاً دعوة رسمية من حكومته، وتزامن قدومه الخرطوم مع نقاشات مستفيضة واختلافات نشبت بين منسوبي الحزب الحاكم حول اتفاق الحريات الأربع، الذي كان قد توصل إليه مفاوضو الطرفين، وجدل آخر كان حول دعوة البشير إلى زيارة جوبا التي اعتبرها بعض المنتمين للحزب بمثابة كمين أعده الغرب وينفذه الجنوب لاعتقال الرئيس البشير وتسليمه للمحكمة الجنائية وفقاً لاعتقاداتهم، لكن قبل أن ينتهي هذا الجدل وتمر أيام على عودة باقان من الشمال، فوجئت حكومة الشمال باحتلال حكومة الجنوب لهجليج واعترافها صراحة بهذا الأمر، وحينئذ أعلنت حكومة الشمال وقف التفاوض مع الجنوب، ورغم أن المفاوضات استؤنفت بعد صدور قرار مجلس الأمن 2046 لحلحلة القضايا العالقة إلا أن المفاوضين ظلوا في حالة تسفار دائم من دون أن تكون هناك نتائج ملموسة، وأغلب الترجيحات تتجه نحو إمكانية فرض حلول بواسطة القوى الخارجية حال عدم التوصل لاتفاق حتى يوم 2/8/2012 كما نص قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي دفع بهذه القضية الى مجلس الأمن. رغم الروح الإيجابية التي اختتم بها وفد التفاوض هذه الجولة بالأمس إلا أنه بات في حكم المؤكد عدم مشاركة الرئيس البشير حكومة الجنوب احتفالها بأعياد الانفصال، وتوقع مصدر، بحسب ما أوردته (الانتباهة ) أن تكون هناك مشاركة تشريفية؛ لأنهم ليسوا في أجواء مناسبة للمشاركة، أو كما قال.