بعث الباحث الاقتصادي الدكتور محمد أحمد الصادق برسالة إلى (أمواج ناعمة) ينتقد فيها وزارة المالية وطريقة تعاطيها مع الأزمة الحالية، وفيما يلي مساهمته: هناك نظرية في التنظيم الإداري تقول إن وزارة المالية هي مركز الجهاز الحكومي، وأن قيام الوزارة بدورها بالكفاءة المطلوبة لا يدع مجالاً للأجهزة الأخرى إلا أن تعمل بكفاءة مساوية، أو على الأقل مقاربة لكفاءة المركز. ولا شك أن المروجين لهذه النظرية قد اتجهوا بأنظارهم في الآونة الأخيرة لوزارة المالية لمعرفة كيف تعاملت مع الأزمة منذ ظهور بوادرها الأولى وخلال مراحل تطورها حتى وصل الوضع الاقتصادي إلى الحالة التي نعيشها الآن، في محاولة للإجابة علي السؤال: هل تستطيع الوزارة بحالتها الراهنة الخروج بالبلاد من هذه الأزمة؟ ولن أحاول في هذه العجالة الرد على هذا السؤال، فهذا أمر متروك للحكومة لتقرر بشأنه، ولكن ما هدفتُ إليه هو تسليط الضوء على تعامل الوزارة مع أحد جوانب هذه الأزمة، وهو موضوع العقودات الخاصة التي شكّلت عبئاً على موازنة الدولة حتى صدر قرار جمهوري بتقليصها إلى أدنى حد، وذلك للخروج ببعض المؤشرات التي يمكن أن تساعد في الإجابة على هذا السؤال المحوري. في البداية لابد من التأكيد على أن ظاهرة العقودات الخاصة ليست خاصة بالسودان، فهي كانت موجودة في بعض الدول حديثة الاستقلال، كما أنها معروفة في الوقت الحاضر في كثير من البلدان التي تأثرت خدمتها المدنية ببعض التطورات السالبة، فافتقرت إلى الكفاءات المطلوبة في بعض القطاعات، ولكن كثيراً من هذه الدول قد اتخذت من النظم والضوابط التي تضمن جدواها وتعظم العائد من ورائها، ومما لا شك فيه أن الأمر في السودان قد بدأ صغيراً ولكنه أخذ في الاتساع حتى أثقل كاهل الموازنة، فماذا فعلت وزارة المالية؟.. هل استطاعت أن تضع اللوائح التي تجعل هذه العقودات تحقق الأهداف المرجوة منها؟ هذا فيما يتعلق بالظاهرة على المستوى العام، أما فيما يتعلق بعقودات وزارة المالية فإننا نرجو أن نورد الآتي: كان السيد الوزير قد صرح لإحدى الصحف بأن وزارته تفتقر إلى الكوادر المؤهلة وذات الخبرة، وبالرغم من هذه الحقيقة فإن وزارة المالية ظلت تفقد في السنوات الأخيرة وبسبب المعاش عدداً كبيراً من الكوادر التي يتحدث السيد الوزير عن ندرتها.. لم تعمل الوزارة على استبقاء بعض من هذه الكوادر، ولكنها لجأت إلى عمل عقودات خاصة مع عاملين بلغوا سن المعاش في جهات أخرى لا علاقة لها بالعمل في وزارة المالية، وتم تعيينهم بالعقودات في وظائف مديرين عامين في بعض الإدارات داخل الوزارة أي أنهم جلسوا في المواقع التي تركها المؤهلون وأصحاب الخبرات الذين ذكر السيد الوزير أن وزارته تفتقر إليهم، وبذلك حصلوا على مخصصات العقودات الخاصة، وما أدراك ما مخصصات العقودات الخاصة بوزراة المالية (تكفى لتعيين خمسة عشر خريجاً فى وظائف مدخل خدمة على أقل تقدير) وهذا غير تكاليف تشغيل العربات الكامري ذات اللوحات الخاصة المخصصة لبعض منهم، واستمتعوا في نفس الوقت بميزات الوظائف الدائمة من عضوية مجالس الإدارات والسفر في المهام الخارجية واستلام الحوافز (ربع سنوية، نصف سنوية وسنوية) وحوافز اللجان (داخل الوزارة وخارجها) وحوافز الميزانية وتجدد عقودهم كل سنة أتوماتيكياً، ولم يُطبق عليهم القرار الخاص بإنهاء العقودات الخاصة؛ وذلك لأن عقوداتهم الخاصة ليست عبر مجلس الوزراء الموقر، بل تجري الآن محاولات للالتفاف حول قرار وزارة العمل الخاص بإنهاء كل التعاقدات الشخصية في الوزارات والمؤسسات الحكومية بتثبيتهم في وظائف ثابتة بالرغم من بلوغهم سن المعاش منذ سنوات، وبالرغم من أن هذا الأمر يتنافى مع لوائح الخدمة المدنية. فإذا كانت وزارة المالية تتعامل مع هذا الأمر بمثل هذه الطريقة فهل نتوقع منها أن تخرج الاقتصاد السودانى من الأزمة التي يعيشها؟.. وهل هؤلاء هم أكثر علماً وخبرة وكفاءةً من الخبراء الوطنيين الذين تم إعفاؤهم موخراً من قبل السيد رئيس الجمهورية فى إطار خطة التقشف الحكومي؟. د.محمد أحمد الصادق باحث اقتصادي آخر الكلام: إن الحزن الصامت يهمس في القلب حتى يحطمه.. (وليم شكسبير).