قبل أن تصدر القرارات الاقتصادية الأخيرة وبعد خروجها إلى العلن، ظللت أرصد على بعض صفحات (الفيسبوك) ما تخطه أيادي (مناضلي الكيبورد) الذين أعلنوا غضبهم وسخطهم على الحكومة من (منازلهم)، وأكثرهم تحمل صفحاتهم أسماءً حركية من شاكلة "أبو سفين" و"هناي الغناي" وما بعرف شنو "رحيق الورد" وهؤلاء لم يكتفوا فقط بإعلان سخطهم واحتجاجهم على القرارات، وهذا حقهم، كما فعلنا في براحات الصحف وتحت ضوء أشعة الشمس الواضحة، وفعلوا هم من وراء ستائر الفضاء التي تجعلنا لا ندري مع من نتعامل أو من هو الذي يتكلم، المهم أنهم مارسوا حقهم في الاحتجاج وبعضهم رفع سقف احتجاجه بالتحريض للخروج إلى الشارع، وفي ذلك هم يلعبون دور المناضلين بالمراسلة، إذ يدفعون الشباب إلى الخروج والتظاهر وهم أما في بيوتهم قاعدين أو هم أصلاً خارج السودان في بلدٍ طيرها عجمي!. ظللت أسأل نفسي كلما قابلني بوست من شاكلة امرقوا وتظاهروا وأحرقوا! عن من هم هؤلاء؟ وليه ما يمرقوا هم ويتظاهروا هم ويحرقوا هم ويتلقوا الرصاص هم؟ بدلاً من أن يلعبوا دور (الكورس)، لكنه للأسف ليس كورساً يزرع الفرح والحبور غناءً وطرباً، هم كورس خلف طائر الشؤم الذي ينذر بالحريق والبكاء والعويل في بيوت أهل السودان، وينتظرونها تولع وتتحرق وهم لم يخسروا أكثر من دقائق قضوها يكتبون على صفحاتهم البائسة، والضريبة والدمغة والرسوم يدفعها شباب متحمس عشمنا فيه أنه مدخر للبناء وليس للتدمير للحياة وليس للموت، بأي حال من الأحوال والكلام ده مناسبته وسببه وتحريك أوجاعه داخلي، حديث للوزير الحالي المعارض السابق "حسن إسماعيل" في حوار أجرته معه الزميلة (السوداني)، قال في سياق الإجابة على سؤال سألته إياه الزميلة "مشاعر أحمد" قائلة : إذا خرج الناس في مظاهرات أشبه باحتجاجات سبتمبر، ماذا سيكون موقفك؟، قال السيد الوزير: لن تكون هنالك احتجاجات!! فسألته، وإذا حدثت هل ستؤيد هذه الاحتجاجات؟، أجاب: (لا)، لأن مطالبنا دائماً ما تختطفها السياسة، فماذا استفدنا من ثورة أكتوبر غير اختطافها من السياسيين!! ثم سألته، ما هي رسالتك الآن لأسرة "صلاح سنهوري" عطفاً على خطبتك المشهورة بعد مقتله؟، قال: (لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء).. وطبعاً أصدقكم القول أن الثلاث إجابات على الثلاثة أسئلة شعرت بعد أن فرغت من قراءتها أنني كمن دهسه دفار ثلاث مرات، أو أن صاعقة صممت أن تحرقني المرة تلو الثانية، تلو الثالثة، مع سبق الإصرار والترصد، لأنها ببساطة أي إجابات السيد "حسن إسماعيل" أكدت أن معارضتنا (فشنك) ونفسها قصير وحدَّها قريب ينتهي بأن يجلس هؤلاء على كرسي السلطة الوثير فيصبحوا فجأة حماماً زاجل ولا أقول (داجن) احتراماً للقارئ الكريم، فهل "حسن إسماعيل" اكتشف أن كل سنواته معارضاً، هي وهم كبير في أقل من عام، هل الرجل اكتشف أن الإنقاذ (حلوة حلا) بعد أن أصبح وزيراً ولائياً ؟ شنو نوع الضمادة التي كان يضعها على عيونه وساحت وذابت بمجرد دخوله مبنى حكومة الولاية؟ شنو مسؤولياته وإحساسه ومشاعره تجاه الشباب الذين حرَّضهم وألقى على مسامعهم الخطب العصماء التي لا زال بعضهم يحملها على هواتفه، وصدَّق المساكين وخرجوا إلى الشوارع ليحصرهم الرصاص، ويحصد "حسن إسماعيل" كرسي الوزير!!؟ يا إلهي، وكأن حكمتك وقدرتك تجعل هؤلاء يفضحون أنفسهم بأنفسهم وهم يمارسون الانطباع الشين الذي يجدد ويعضد كفرنا بالمعارضة التي عليها أن تغتسل وتتوضأ إن كان هؤلاء هم من يمثلونها. ما قاله "حسن إسماعيل" وبعضمة لسانه اعتراف صريح منه بأنه باع الوهم لشباب سبتمبر، لأنه ذاك الوقت لم يبلغ عمر الحكمة، وإلا لو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير وما مسه سوء! يا سيدي أنت مطالب باعتذار يشبه الكفارة، ولا أخفيك أنك أيضاً تستحق الشكر لأنك كشفت عن أي نوعية من المعارضين والمعارضة يلبسون عباءات يدعون أنها عباءة الدفاع عن مكتسبات الشعب السوداني وهم في قرارة أنفسهم ينتظرونها أن تتحول إلى عباءة السلطة والثروة والجاه، ويروح في الرجلين المساكين والغلابى ويأكلها هؤلاء ولعة وساخنة!! ولك الله يا بلد. { كلمة عزيزة الآن مشكلة المواطن الحقيقية لم تعد في استيعاب القرارات الاقتصادية والرضا بها، المشكلة في عدم الثقة من أن هذه القرارات سيحس بمردودها الإيجابي رجل الشارع ولو بعد عشر سنوات، والإنسان السوداني يؤكد كل صباح أنه حكيم وواعي وحريص على استقرار الداخل، لكن هذه معطيات تحتاج أن تقابلها الحكومة بكثير من المصداقية وكثير من الإرادة وقليل جداً من بائعي الوهم والمواسير!!. { كلمة أعز لو كان بيدي لعممت حديث "حسن إسماعيل" على كل بيت من بيوت أهلنا في دارفور والنيل الأزرق الذي يصدقون وهم المعارضين صناع الحروب والدمار الذين حوَّلوا استقرارهم إلى نزوح وحياة الفرح ورقصات الحصاد إلى دموع ومواكب جنائز، هؤلاء يقودونهم للفناء وبرَّاحة يتملصون!!.