أخيرا ستبتل العروق، ويذهب العطش، وتسري دولارات البترول الجنوبي في جسد اقتصادنا الراقد في غرفة الإنعاش بين الحياة الموت ! سعادتي لا تحدها حدود بالدولارات التي ستأتي، فالواقع يقول إن البنوك خاوية على عروشها منها، وإن الأسعار الرسمية التي يتم إعلانها للدولار في واد، والأسعار الحقيقية للدولار بالسوق الأسود في واد آخر. الحال الضاغط هو الذي كان يدفع الأمور، ويجبرها على الواقعية، والبترول كان طوق نجاة لجوبا والخرطوم .. مهما كانت المكابرة، خصوصا من جانبنا، ولذلك طارت أنباء الاتفاق على البترول في محادثات أديس أبابا، مستبقة كل أخبار أخرى، وتنفس الناس الصعداء .. ولم يكن أحد في الشارع السوداني أمس مهتما بأخبار بقية الملفات .. فالمهم (الإنعاش القلبي)، وبعد ذلك كله يهون ! طبعا لا نعرف كل التفاصيل الدقيقة حول الاتفاق، ولا ندري متى سيبدأ بالضبط ضخ الجلوكوز في الأوردة الظامئة، بل إننا لا نعرف ماذا حدث بشأن المليارات الثمانية التي قيل إن دولة جنوب السودان ستدفعها للسودان، تعويضا عن أيام الظمأ البترولي .. ونرجو أن يكون ما قيل حقيقة وليس مجرد سياسة، رغم أن جنوب السودان لو كان يملك المليارات الثمانية .. لما بصم قادته على فتح الأنبوب الذي قفلوه بأيديهم ! عودة البترول للأنبوب .. يجب أن تكون درسا بليغا .. وليست نشوة جديدة تعيدنا لما كان . ولذلك .. فما أظن أن عودة الضخ ستكون سببا لكي تتنصل الحكومة عن تقشفها الذي أعلنته، فهو تقشف تأخر كثيرا جدا، وما كان يجري من مخصصات وتجنيبات وترضيات ووجاهات .. لم يكن سوى هدر صريح للمال العام، غابت العقول عن رصده أيام (النشوة)، ولم يعد من مجال لعودته تحت أي ظرف من الظروف. ثم ان الاتفاق، والذي يجري تحت عصا الأممالمتحدة ومجلس الأمن، لا بد أن يبلغ غاياته الأمنية والسياسية كلها، فلا قبل للبلدين بالغضبة الأممية، ومن هنا فإن الإنفاق المفتوح على فواتير الحرب والازمة .. لا بد أن يشهد تلجيما يعود بالخير على النماء، فما من نزف أقعد الوطن وسلبه العافية .. مثل نزف الحروب التي لم نشهد تعدد جبهاتها .. كما شهدنا في سنواتنا الأخيرة . ثم ما يجب الالتفات له أخيرا .. أن كل مليم يدخل الخزينة .. هو ملك للشعب وحده .. وليس للحكومة .. وأن صرف المال في المرحلة القادمة .. يجب أن يجعل الأولوية لمصالحة أولئك الذين تضرروا من سياسات الإنهاك والتركيع القاسية، فتتقلص فاتورة الكهرباء لحدها الأدنى، ويعود الرغيف لحجمه وتزداد وحداته مقابل الجنيه، وتتوفر الأدوية في الأسواق بالأسعار التي يتحملها الناس غنيهم وفقيرهم، ويتوفر السكر بأسعار الثلاثة جنيهات ونصف الجنيه للكيلو مع النظر في تخفيض السعر لأقل من ذلك، والتركيز على المنح المالية العاجلة للعاملين بالدولة .. وإسعاف الصحف بتخليصها من كل المعوقات والمكبلات التي عصفت بها .. وجعلتها نهبا للأزمات والتوقف والرقابة الآتية من خارج أسوارها ! نعم ستبتل العروق .. وكفانا الله شر التفاصيل وشيطانها ! عذرا : هذه المادة أعدت للنشر أمس، لكن صويحبكم أخطأ بإرسال مادة سبق نشرها، فعذرا .. ورمضان كريم !