أصبتُ بصدمة شديدة وأنا أطلع على تقرير وزير العدل من خلال ما نشرته معظم صحف الخرطوم الصادرة أمس، قرأت كيف سمحت أنفس أولئك بخيانة الأمانة وكيف سمحت أنفسهم أن يتعدوا على ما أؤتمنوا عليه من مال الشعب المسكين الذي يكابد من الصباح من أجل أكل عياله. كيف سمحت عوائل أولئك اللصوص أن تأكل مال الشعب ولكن المشكلة ليس في هؤلاء اللصوص، المشكلة في هذه الدولة التي أعطت هؤلاء الفرصة للتعدي على حقوق الوطن، ولو كانت هنالك مراجعات من الموظف الأعلى ثم الأعلى لما وصل الحال لما هو عليه من فساد للضمير. وتعجبت لقول السيد وزير العدل كيف تجري تسويات مع أولئك اللصوص قبل أن يرفع التقرير إليه كوزير للعدل. وما حدث يشجع الآخرين على السرقة ومن ثم تبدأ عملية التحلل من المال المنهوب، وإذا كان التحلل يجنب المتهمين العقاب فهذا يعني أن أي شخص أؤتمن على أي مال عليه أن ينهبه، وإذا اكتشف أمره يطالب بالتحلل طالما الدولة وضعت فقه التحلل لكل مرتكب جريمة، بمعنى (أسرقوا ورجعوا السرقتوه بعد ما كونتوا ثروة من هذا المال المسروق ورجعوه وتاني أوعكم تعملوا كده). إن الفساد استشرى ولا يمكن الحد منه بسهولة طالما الدولة نفسها تحمي الحرامية، عاقبوا واحداً وقدموه كبش فداء ليخاف الباقون، ولكن طالما لا توجد محاسبة فكل شخص خلوه يسرق على كيفه. ألم يلاحظ زملاء أولئك اللصوص كيف بانت النعمة عليهم ألم يسألوهم من أين أتيتم بكل هذا المال وفي فترة وجيزة وأنت لستم وارثين، ولا نزلت عليكم مائدة من الدولارات من السماء، ولا ذهبتم في عملية اغتراب ولا جاءكم وحي من السماء ليمنحكم كل هذا المال. ألم تسأل الزوجة زوجها من أين له بهذا الصرف البذخي من أين أتى بكل هذا المال الذي اشترى به المنزل الأبهة، ومن أين أتى بكل أصناف الطعام ومن أين له بتذاكر السفر إلى تلك الدول. كلها أسئلة يفترض أن يلاحظها الموظف المسئول عن طاقمه وأن يسألها الأب لأبنائه والزوجة لزوجها، فإذا عرف السبب بطل العجب وانكشف سر الثراء المفاجئ، ولكن أن نترك الأمر يمر مرور الكرام فهذا سيجعل الشخص يتمادى في فعلته، ولكن إن كانت هنالك عين أخرى تراقبه إذا لم يستحِ من مراقبة الله ظاناً أنه لا يراه، فإن الأسرة والزوجة والموظف الكبير سيراقبه وسيجعله يتراجع إن كان في بداية السرقة. إن تقرير وزير العدل يجب أن يحيل كل الذين تعدوا على المال العام إلى المحاكم، وأن ترفع الحصانات عنهم إن كان أولئك لهم حصانات تحميهم، فإن لم تفعل الدولة وعملت بفقه السترة فإن ذلك سيشجع آخرين كانوا يراقبون أولئك اللصوص، فطالما لم تطلهم يد القانون فليعمل الآخرون مثلهم ومن ثم يتحللوا من المال الذي سرقوه. أما سرقة خط "هيثرو" فهذا ملف لوحده ويجب على وزير العدل ألا يتنازل عنه، ويجب أن يقبض على كل المشتركين فيه مهما كانت مكانتهم داخلياً أو خارجياً، ويجب إعادة المال المسروق أولاً ومن ثم تقديمهم للعدالة وفي محاكمات تنقلها الفضائيات كما حدث في الديمقراطية الثالث، وكيف كانت المحاكمات التي أصبحت أشبه بالمسلسلات، أعيدوها ليردع اللصوص وليخف كل من تحدثه نفسه بالسرقة.