الهلال يدشن انطلاقته المؤجلة في الدوري الرواندي أمام أي سي كيغالي    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    تفسير مثير لمبارك الفاضل بشأن تصريحات مساعد قائد الجيش    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    عثمان ميرغني يكتب: إيقاف الحرب.. الآن..    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    مان سيتي يجتاز ليفربول    التحرير الشنداوي يواصل إعداده المكثف للموسم الجديد    البرهان بين الطيب صالح (ولا تصالح)..!!    كلهم حلا و أبولولو..!!    السودان لا يركع .. والعدالة قادمة    شاهد.. إبراهيم الميرغني ينشر صورة لزوجته تسابيح خاطر من زيارتها للفاشر ويتغزل فيها:(إمرأة قوية وصادقة ومصادمة ولوحدها هزمت كل جيوشهم)    البرهان يطلع على أداء ديوان المراجع العام ويعد بتنفيذ توصياته    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الأبيض" محاولة خروج أولي من رماد النسيان
نشر في المجهر السياسي يوم 17 - 06 - 2017


رحلة في أعماق السافل ودار الريح (1-2)
"أحمد هارون" و"الناصر قريب الله" و"بتول بت حنفي" نقش على صخر عصي
حديث (السبت)
يوسف عبد المنان
حينما أسرجت سيارات اللاندكروزر اليابانية القاهرة للرمال والرحيمة برفيق الدرب في الصحارى والأودية والطين والوحل، كانت السيارات البيضاء.. تقف في ذات المكان الذي منه أسرج الشاعر البدوي الحضري "الناصر قريب الله" قبل مائة عام بثلاث من النياق الشهب قاصداً (دار الريح) التي يقول الباحث المنقب "عبد الله حمدنا الله"، إن حي العرب بالقرب من سوق أم درمان هو سوق لعرب الهواوير والكبابيش ودار "حامد" الذين يهرعون لأم درمان في فصل الخريف والصيف.. ويقسم الباحث "حمدنا الله" العاصمة الخرطوم لثلاثة مكونات.. أم درمان يغلب عليها سمت كردفان وثقافتها وبحري هي آخر حدود ديار البطاحين والشكرية غرباً.. والخرطوم هي جزء من الجزيرة.. وفي مسلخ غناوة الذي شاده رجل الأعمال "صلاح إدريس" في سنوات مضت قبل أن يفارق الرجل بلاده وفي النفس شيء من حتى.. وفي القلب حسرة على الهلال والفن والموسيقى والشعر والغناء والحكاوى.. ولم يسأل معشر الصحافيين الذين أوحت لهم خيول الرحلة لبلاد السافل عن جدوى مسلخ غناوة الاقتصادي وإسهامه في زيادة صادر الثروة الحيوانية، لأن رئيس اتحاد الصحافيين "الصادق الرزيقي" قد أقنع وزير الطرق الشيخ الكبير "مكاوي محمد عوض" العودة لكردفان براً كما كان يفعل في الزمان غير البعيد "محمد عوض الكريم القرشي".. وفي سن "مكاوي محمد عوض" كان "محمد عمر البنا" يسوح في بادية الكبابيش يصطاد غزلان الخلا ويمتع بصره بغزلان الإنس في مراتع الخريف.. مولانا "أحمد هارون".. يقرظه رفقاؤه ومعارضوه وأغلبهم من أبناء جلده السياسي وحزبه الحاكم بالوالي الطائر في السماء لكثرة استخدامه الطائرة المروحية في حله وترحاله، وهو يجوب أرضاً بمساحة تكبر فرنسا بقليل وأصغر من ألمانيا ببضعة كيلو مترات، لكن ألمانيا تصنع السيارة والصاروخ والأبيض تصنع الجبنة في كازقيل والأقاشي في حي فلاتة.. وعصير الكركدي في سوق ود عكيفة.. و"هارون" اختار مع نخبة الصحافيين (الكرام) كما يقول الرسيل "إمام محمد إمام" شيخهم وكبيرهم مقاماً وسناً أن يسلكوا درباً خطه من قبل "جعفر محمد نميري" العقيد الذي قفز على كرسي السلطة شاباً وترجل منها كهلاً ولكنه فقير لم يبنِ حتى لأسرته منزلاً في ضواحي الخرطوم.. ولكنه بنى لاسمه خلوداً في صحائف التاريخ، وكان "جعفر نميري" يزور دار الريح أي شمال إقليم كردفان براً بسيارات اللاندروفر التي (صنعها) الإنجليز بمواصفات خاصة تلائم أجواء السودان، بينما سيارات اللاندكروزر التي تئن من ثقل أحمال جهاز التكييف صنعها اليابانيون لتلائم مناخ الخليج مع أن السودان أكبر مستورد للسيارات اليابانية من دول الخليج مجتمعة.. كان "جعفر نميري" يمتطي اللاندروفر وقافلته عشرات السيارات تتقدمه ناقلات عسكرية ضخمة تسمى المجروس وحينما تقترب قافلة "جعفر نميري" من إحدى القرى ويشاهد وجوهاً حسناء ورجالاً راكبين على ظهور الخيل والإبل، يصعد لسطح اللاندروفر ويرفع كلتا يديه للناس مبتسماً باشاً هاشاً لا يخاف من شعبه الذي يهتف "أبوكم مين نميري". وذات المشهد عند وصولنا منطقة الصويقع التي كانت محطة استرخاء وغمضة عين للبصات القادمة من كردفان ودارفور قبل أن تقتحم أم درمان فجراً.. في تلك القرية خرج الناس بدون ميعاد أو حتى معرفة من هم القادمون إليهم برتل من السيارات وجيش من العسكر.. تفحص الأهالي الوجوه.. وخرجت هتافات خافتة سرعان ما أصبحت ضجيجاً، (موية طريق مستشفى والنهضة خيار الشعب). ابتسم مولانا "هارون" ابتسامة رضا على الأقل عن بلوغ رسالة تلك النجوع القصية والقرى الأقرب لأم درمان العاصمة ولكن يشدها لكردفان انتماء أواصر وأعراق.. وأشواق تاريخ ووثائق مستقبل.. وكأن هؤلاء من قال فيهم "صلاح ود إبراهيم" أخوك يا فاطمة.. يشدو برائعة الروائع
وقفت لهم كالتبلدي
وقلت ظمأى بلادي هلموا وهاتو الفؤوس
وأهووا بها في يساري وأهووا بها في يميني
وفي حيث شئتم لا ترحموني
وقولوا لأبنائكم في غدٍ
هنا عاشق مستبد الجنون
الهبوط للشعب
عندما يتفقد المسؤولون المواطنين في قراهم وفرقانهم يجلسون إليهم لسماع مطالبهم تتقارب المسافات بين الراعي والرعية.. وحينما يخوض المسؤول في وحل الطين والخبوب يشعر المواطنون بأن قضاياهم تحت بصر من بيده القرار.. والسيارات البيضاء تشق الأرض شبه الصحراوية حيث تتناثر نباتات العشر ونبات (القُو) ونبات (البنُو) وأودية صغيرة.. وأخرى كبيرة والإنسان يقاوم العطش والفقر.. ويتشبث بالأرض التي جعلت النائب البرلماني "مشاور سهل جمعة" عن دائرة بارا الغربية يقتحم الجمعية التأسيسية في ستينيات القرن الماضي، وهو يحمل (صفيحة) وهي إناء من الحديد الخفيف يستخدم في نقل السوائل مثل الزيوت قبل اكتشاف البلاستيك، وقرع النائب البرلماني "مشاور سهل جمعة" على طبله داخل الجمعية في محاولة أن يصغي إليه من في أذنه وقر بأن هناك إنساناً في ريف كردفان يموت بالعطش ولا يحصل على الماء الذي ينظف ملابسه ويذهب عنه الظمأ.. وكانت الجمعية التأسيسية وقادة الأحزاب يبرعون في الخطب الحماسية ويباهي السودانيون بأن "المحجوب" حينما خاطب الجامعة العربية أدهش العرب بلغته العربية وأشعاره كأننا نبحث عن سوق عكاظ في بلدٍ مشكلته فشل النخب في الاستجابة لمطلوبات الشعب، ومنذ ذلك الوقت والساسة والنخب يتنافسون في الخطب الجوفاء والأمنيات العذبة لشعب قهره العطش وكسر عظمه الإهمال حتى نهض " جعفر محمد نميري" الذي كان يقصد دار الريح أو بلاد السافل سيراً بالمركبات وبتخطيط الراحل "جعفر محمد علي بخيت" ثم تنفيذ مشروع (محاربة العطش) والصحيح درء العطش، لأن العطش لا تستطيع شن الحرب عليه.. لأنه مثل الفقر.. وبعون أوروبي من إنجلترا وهولندا.. تم حفر مائة بئر في بادية كردفان خلال (3) سنوات ولتلك الآبار تغنى المطربون لمايو وجعفر نميري:
جبت اللقمة للجيعان
وجبت الموية للعطشان
بينما مشروع مولانا "أحمد هارون" في أرياف شمال كردفان الولاية وليس كردفان الإقليم حفر (ألف بئر) لتسقي العطشى في بلاد دار الريح التي قال عنها "الشريف زين العابدين الهندي"، وكأنه يرسم بريشته الرائعة على الرمال الذهبية.. مسارات الجمال في أرض كردفان:
في غروبك ربوع خصبة وتبر مبهول
وديان من عقيق مغسولة مطر وسيول
وكثبان تابه يتطرز حواشي سهول
تجود بالكركدي وصمغ الهشاب والفول
وتدي القنقليس طول الشهور والحول
والعيش والسماسم والصمغ والكول
والتور والخروف والناقة والكاتول
كيف لتلك الخيرات أن تبلغ مناطق الاستهلاك في العاصمة وموانئ التصدير إذا لم يشق كثبان الرمال طريق (شريان) السودان كما قال وزير الطرق والجسور "مكاوي محمد عوض" وهذا الطريق كان منسياً.. ولم تضعه المالية الاتحادية أو قل الإرادة السياسية لأن وزارة المالية نزع منها التخطيط الاقتصادي وأصبحت مجرد خزانة ووزيرها صراف يأتمر بتصديقات تتنزل عليه من القصر والقيادة العامة والبرلمان.. وحتى العهد الذي بذله النائب "علي عثمان محمد طه" في زيارته لمدينة بارا الشهيرة بعد تنازله من منصب النائب الأول ل"جون قرنق" في الفترة الانتقالية تبدد ذلك الالتزام هراءً وضحك "الشاذلي" الشاعر الذي وصفه الرئيس بالانتهازي لكثرة مطالبه لأهله، حينما يخطب في المنتديات السياسية على وأد حلم أهل السافل ودار الريح برؤية الإسفلت الأسود يشق كثبان جريجخ.. وأم سيالة ويعانق جبرة الشيخ حاضرة الكبابيش.. جاء "أحمد هارون" مجروحاً بسلاح "عبد العزيز الحلو" من كادقلي.. خرج حزيناً كقائد خسر المعركة.. ولم يخسر الحرب.. ودعته كادقلي بنكران جميل ولم تكتشف أنها أضاعت والياً مجتهداً إلا حينما عاد إليها بعد سنوات فذرفت كادقلي الدمع السخي، وفي شمال كردفان كان مشروع طريق (بارا - أم درمان) حلماً يداعب أشواق الناس.. ولكن كيف السبيل الطريق طويل والزاد قليل.. كانت البدايات بقدرات شمال كردفان حينما نفض مولانا "هارون" الغبار عن آليات مشروع درء الجفاف التي كان يتخذها الخفراء والسائقون الذين يصرفون رواتبهم دون أداء أي عمل.. نفض الوالي عنهم الكسل والنوم في ضل الضحى.. وقرر أن يبدأ المشروع الحلم بطريق بارا - جريجخ وظن كثيرون أنها أحلام تداعب مخيلة القاضي الذي بدأ التنمية في شمال كردفان من الصفر.. وجاء بالمطرب "جمال فرفور" ليغني رائعته
لو حتى نبدأ من الصفر التنمية لازم تستمر
وكان مولانا في مشروع نهضة شمال كردفان.. والحقيقة هو مشروع لنهضة كردفان ودارفور باعتبار أن طريق بارا - جبرة الشيخ -أندرابة -الصويقع - أم درمان يجعل المسافر من الخرطوم لجبال النوبة يتناول وجبة الإفطار بمطعم أبو شيبة في الدبيبات.. ويصل كادقلي الساعة الواحدة ظهراً يصلي في مسجد شيده مولانا "هارون" بعد أن أشعلت فيه الحركة الشعبية النار، وقيل إن الرجل الذي حرق المسجد أصيب بالجنون.. ومن كان قاصداً الفاشر أبو زكريا.. في وجبة إفطاره من لحم الضأن الحمري في الخوي وما أدراك ما الخوي التي قال عنها الراحل "محمد أحمد المحجوب" وكان في طريقه إلى النهود لزيارة صديقه القاضي "محمد أحمد أبو رنات": يا قاصد النهود لو كنت تعلم ما في الخوي لطويت الأرض طي.. وفي صبا "محمد أحمد أبو كلابيش" نظر لإحدى حسان حمر وهي تختبئ مثل البرتقالة في الورد وأنشد شعراً يقول:
البيت الجميل أوصافو الساكننو ما بتشافو
لو ما العذاب وربنا البنخافو
نعبد بالسبح الديسو غطى أكتافو
لأن تلك الديار هي بلاد الجمال والطبيعة الساحرة لذلك لا وصل بين أم درمان وبارا إلا بطريق شريان الحياة الذي نحت فيه "هارون" على صخر الإمكانيات الشحيحة والقدرات المحدودة.. لكنه كان مثل الحاجة "بتول" بت حنفي" التي تقطن في حي القبة الآن.. وهذه المرأة الشامخة تستحق التكريم من جهة أمينة المرأة في حزب المؤتمر الوطني السيدة "زينب أحمد الطيب" وتكريماً من اتحاد المرأة.. و"بتول بت حنفي" لها ماض حافل بالعطاء والكفاح بعد وفاة زوجها "عثمان علي" في ريعان الشباب عام 1975م، وترك لها خمسة من الأبناء وخمس من البنات جلهم في مراحل التعليم المختلفة.. وعكفت.. تلك المرأة في تربية أبنائها حتى بلغت أكبر البنات مرتبة نائب مدير بنك البركة حالياً في الأبيض السيدة الفضلى "سعدية عثمان"، وأصغر أطفالها حينما رحل والده كان المهندس "محمد عثمان" في الروضة وهو الآن من كبار مهندسي شركة سيقا وشقيقته "ليلى" بديوان المراجع العام و"طارق عثمان" موظف بالسفارة القطرية في تايلند و"نهلة عثمان" بدولة الإمارات، وجسدت "بتول" قول "المصطفى" (الجنة تحت أقدام الأمهات)، وهي امرأة قارئة للقرآن وكتب الأدب والتفاسير.. وتمضي الآن سحابة يومها في دار ود عكيفة لتحفيظ القرآن الكريم. ونحت "هارون" على الأرض من أجل أن يبلغ طريق السافل الذي يبث الحياة في القرى المتناثرة بعد موتها.. وقد تمدد الإسفلت من مدينة بارا حتى جبرة الشيخ.. وقهر الحديد الأصفر لشركة (زادنا) كثبان الرمال التي كانت تعيق حركة النقل.. وتجعل المسافة بين جبرة الشيخ وبارا خمس ساعات والآن ساعة وبضع دقائق للواري ماركة أوستن وتيمس والسفنجة، أما الكوري ما هي إلا أربعين دقيقة وتعانق بارا قادماً من ديار الكبابيش عابراً دار "حامد" ولكن هل تستطيع عبور سلطنة (الغالي تمر السوق).. أي مقر محكمة "العبيد أحمد تمساح" زعيم قبيلة دار حامد التي تتكون من فروع عديدة.. وهي أقرب للتحالف العريض حتى المعاليا والجليدات هم من أفخاذ دار "حامد" وقديماً كانت النسوة تتغنى بشجاعة وعدل وهيبة ود تمساح ناظر تلك الديار ولا تزال أسرته ممسكة بتلابيب القيادة الأهلية:
الغالي تمر السوق
لو قسموه ما بحوق
زولاً سنونو بروق
في محكمة زانوق..
تفاصيل صغيرة
بعد افتتاح النائب الأول الفريق "بكري حسن صالح" في يناير الماضي المرحلة الأولى لطريق شريان الحياة.. وضع الجنرال "بكري" يده على مقود البلدوزر الذي يقهر رمال الصحراء وقد خرج الطريق من جبره.. قاصداً أم درمان.. وأطلق النائب "بكري حسن صالح" وعداً باحتفال أهل كردفان الاجتماعية.. أي المكون الكردفاني بالعاصمة القومية ببلوغ الطريق أم درمان في يونيو الجاري.. كانت الإرادة قوية والتصميم أكيداً لكن كثرة الجسور على الطريق قد أعاقت سير العمل.. واليوم بدأت مسارات الطريق الثلاثة جبرة الشيخ- عديد النوبة.. وعد النوبة - أندرابة.. وأم درمان- أنداربة تقهر الصعاب مع أن المهندسين يقولون إن فصل الأمطار الذي يبدأ من يوليو القادم يساعد في أعمال الردميات ويعيق السفلتة.. ومن مشاهدات بالعين المجردة فإن طريق جبرة الشيخ قد يعانق أم درمان في شهر يوليو القادم أي مع بدايات مباريات كأس العالم التي تقام في روسيا 2018م، سيشاهد الشباب مباريات كأس العالم في أم درمان ويتوجهون بالعربات الصغيرة الأتوس إلى أنداربة.. التي سميت بهذا الاسم على شجر (الأندراب) الذي أخذ في الانقراض له ثمرة حلوة.. وتستخدم فروع الشجرة كعصي حينما كانت العصا سلاحاً من الكلب والسكين من السلب.. وإفطار الصباح من وجع القلب كما تقول جدتي بنت الناظر كرتكيلا أبو جردة طيب الله ثراها.. وإذا كانت جهود حكومة مولانا "أحمد هارون" قد انصرفت لطريق جبرة - أم درمان الذي أسماه الوزير بشريان السودان، فإن مدينة الأبيض تشهد هي الأخرى ربط الأحياء الطرفية الفقيرة بقلب المدينة.. وبدأت خطة مولانا "هارون" الذي تربى في حي ود الياس الذي يعتبر من أحياء الطبقة الوسطى في الأبيض.. لا هو مثل حي القبة الذي يقول أهله (القبة أوروبا) وكان يقطنه التجار الجلابة والأقباط والسوريون واليهود والأرمن.. وخليط من البشر ذوي البشرة البيضاء.. تجمعهم القبة وتفرقهم الكنائس والمساجد.. وهي قبة الشيخ "إسماعيل الولي" وحي ود الياس اليوم رغم أنه في قلب الأبيض إلا أن مشكلات نقص المياه لا يزال يعاني منها سكان جميع الأحياء العريقة القبة.. والربع الأول وحي الموظفين والدرجة وأمير القش وأمير الطين وحي فلسطين.. لكن شبكة المياه والطرق تمددت أولاً في الأحياء الفقيرة مثل.. حي العشر.. وزريبة المواشي.. والصالحين.. وكريمة وخورطقت وقد أخذ الناس نصيبهم من الماء.. وغسلت الأبيض وجهها من مياه حوض بارا التي يقول مولانا "هارون" إنها مع المصادر الجنوبية تكفي حاجة مدينة الأبيض في الوقت الراهن ولا يرفض مولانا "أحمد هارون" حلم أهل كردفان بشرب الماء وزراعة الأرض من مياه بحر أبيض، باعتبار أن سكان ضفاف الأنهار من حقوقهم الأساسية أن يشربوا ماء الأنهار التي تعبر أرضهم. وحسب تعريف الضفاف فإن سكان حي النهود يعتبرون من ضفاف بحر أبيض.. خاصة وأن (40%) من مياه النيل الأبيض تأتي من جبال النوبة وكردفان.. لكن مشروع مياه النيل.. قضية شائكة ولها تبعات دولية.. وأموال طائلة قد لا تتوفر في الوقت الراهن والحرب تمتص كل ما تجود به الضرائب التي تأخذ من مزارعي الفول السوداني في كازقيل.. والضرائب على بلح تنقاسي. وقد وعد السيد وزير المالية (بإدخال) فئات جديدة ربما من بينهم باعة (المساويك) وتجار الشطة والتمباك بعد إصدار فتوى بتحليله للدولة وتحريمه للمواطنين من علماء السلطان.. المهم يظل مشروع شراب الأبيض من النيل حلماً يراود أهل كردفان وحتى ذلك الحين تبقى حلول مياه بارا والمصادر الجنوبية هي الممكن والمتاح والمقدور عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.