(1) لأنني سئمت (التفاؤل) الشاطح والابتسامات المزيفة والتفاوض العبثي أترك اليوم الحديث عن ما يدور في أديس أبابا.. قبل أن أترك الحديث أتساءل ألم يكن من البدَهي أن يقابل التنازل (المر) الذي قدمه السودان بتنازل آخر من جانب جوبا؟.. الخرطوم قبلت بدون تفويض شعبي بخارطة أمبيكي التي انتزعت منطقة الميل (14) ومنحتها لدولة جنوب السودان.. أليس التفاوض يعني تنازلاً من هنا وآخر من هناك حتى يتفق الجانبان؟.. جوبا ومجلس الأمن ووساطة أمبيكي بصدد ترسيخ منهج جديد في التفاوض وهو أن تتنازل الخرطوم وتتنازل وتتنازل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. المشكلة أن الخرطوم تعمل معهم على إنتاج هذا المنهج الجديد دون أي مقاومة أو اعتراض.. قلت سأترك هذا الجانب المظلم ونتحدث قليلاً عن جانب نأمل أن يكون مضيئاً.. اطلعت بالأمس على تقرير زملينا النشط "طلال إسماعيل" في (المجهر) عن كسر "سودانير" للحصار الأمريكي الظالم وتمكنها من إعادة تشغيل إحدى طائراتها التي ظلت رابضة في مطار الخرطوم لسنوات خلت لنقص قطع الغيار بسبب الطغيان الأمريكي الذي يمنع السودان من شراء قطع الغيار من سوق الله أكبر الدولي.. "طلال" ذكر أن مدير "سودانير" ذرف الدموع وهو يتابع اختبار عملي لطائرة الأيرباص (القصواء) بعد خروجها من ورشة الصيانة.. حقاً إن حدث هذا فذاك أولى بالاحتفاء والتفاؤل من ذلك (اللت والعجن) الدائر في أديس حيث لعبة (الكديس والفار).. (القصواء) طائرة من طراز إيرباص الأوروبية الصنع وليست بوينج الأمريكية الصنع، ومع ذلك امتد طغيان العقوبات الأمريكية ليمنع السودان من شراء قطع غيار لمصنوعات ليست من إنتاج أمريكا.. كل ذلك حاصل ومع ذلك يدعونا المتحذلقون للانضمام لمنظمة التجارة الدولية؟!.. يقولون لنا إن النظام العالمي الجديد يقوم على سيادة القانون واحترام سيادة الدول الأعضاء، ثم نكتشف أن أمريكا هي القانون ومع (4) دول قيل إنها أعضاء دائمون في مجلس الأمن وليس ذلك فحسب، ولكن بصلاحيات حق نقض القرارات الدولية.. لو أن العالم كله بخَيلِهِ ورجلِهِ قرر أمراً فإن دولة واحدة من تلك الدول الخمس تعترض وتبطل الإرادة الدولية.. هل فهمتم ما هو القانون المطلوب احترامه والانصياع إليه؟.. هل فهمتم لماذا تنهار سوريا ولا ينهار نظام الأسد؟.. الفيتو الروسي عطل قرارات بشأن سوريا.. كان من الممكن أن ترشي أمريكا روسيا إن كانت جادة في حل أزمة سوريا.. ألم تُرشِ أمريكا روسيا من قبل في موضوع العراق فصمتت روسيا صمت القبور وعاثت أمريكا في العراق فساداً وإفساداً؟. (2) فضائية الخرطوم تكافح ظلام القعود واليأس وضيق ذات اليد، حتى يتسنى لها مكافحة ما هو أعظم وأكثر ظلاماً.. كثير من الجهود الصادقة اعتمدت طريق الإعلام لبعث الأمم من ثباتها ونفض الغبار عنها.. الإعلام محرك أساسي ورافعة لا يُعلى عليها في ترميم الروح المعنوية لأمتنا.. لكن أيضا كثيراً من الجهود ريثما تتبخر ولا تقوى على منافسة ومكافحة الآلة الإعلامية للمستعمر قديماً وحديثاً، بل إن جهوداً كبيرة مستحقة لمواجهة نمط سرطاني من إعلام أمتنا لأنه صدى لذلك الإعلام المستكبر.. فضائية الخرطوم واحدة من الفضائيات السودانية التي تكافح ظلام الإحباط واليأس الداخلي بإمكانات متواضعة وكادر متمسك بصبر أيوب.. نتساءل بمرارة ونحن نراقب حال فضائيات بميزانيات ضخمة وتقنيات حديثة، لكنها فقيرة وهزيلة من حيث مضامينها وسياساتها العمياء..أيها الوالي "الخضر" شاهد فضائية الخرطوم وتابعها ثم أغدق عليها بما يمكنها من أداء دور أكثر فعالية.. إنها قناة جادة فريدة تجمع بين كل أهداف الإعلام الرئيسية، التثقيف، والتعليم، والتسلية والإمتاع وفق منهج متزن.. التحية لمديرها الزميل "عابد سيد أحمد" وكل العاملين فيها. • آخر الكلام: أصبحت مثلَ النسرِ قُصّ جناحه فهوى، ولو سلم الجناحُ محلّقا