في كل عام يعلن المراجع عن تعدٍّ على المال ويضمن حالات هذا التعدي في تقريره، ويقوم برفعه إلى البرلمان، والبرلمان يقوم بدوره بمناقشة التقرير وتحدث ضجة هنا وهناك، ولكن لم نسمع يوماً واحداً أن تقرير المراجع العام الذي ضم العديد من أولئك الموظفين أو المسئولين الذين خانوا الأمانة وتعدوا على مال الشعب وحولوا هذا المال إلى منفعتهم لم نسمع من الجهات المختصة أنها أعلنت أسماء أولئك المسئولين أو الذين نهبوا مال الشعب على صفحات الصحف حتى يكونوا عظة وعبرة لغيرهم، ولكن يبدو أن أولئك استلذوا أكل الحرام ولم يحرك فيهم ساكناً طالما سرقوا ونهبوا، وأخيراً إذا دخلوا السجون، المال بالخارج مدور بواسطة آخرين. لقد أصبح التعدي على المال من الظواهر التي لم تكن موجودة من قبل، حتى ولو كانت موجودة لم تكن بتلك النسبة العالية التي تفضحها تقارير المراجع العام.. ولا ندري هل الذي توصل له المراجعون هو كل الحقيقة أم أن الذي اكتشف أقل بكثير ممن لم يكتشف، لذا يجب على البرلمان والسلطات المختصة أن تعلن على الملأ أولئك المعتدين على مال الشعب المغلوب على أمره، ولوقف ضعاف النفوذ وأصحاب الضمائر الميتة وفاقدي الضمير الحي من التلاعب بأموال الشعب. في وقت سابق وعندما أعلن أن نسبة الفساد لم تتعدَّ نسبة ال(9%) ولكن اليوم لم تسلم وزارة أو مؤسسة حكومية من عمليات التعدي على المال العام، وأصبحت من الظواهر التي تحتاج إلى جرس إنذار نسبة إلى خطورة هذه الظاهرة التي ظلت في تنامٍ مستمر ولم تردع القوانين أولئك المعتدين، بل في كل عام يظهر معتدون جدد. وأصبح قلة ممن تأمنهم على المال العام أو الخاص، والآية الكريمة في سورة آل عمران (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) ، صدق الله العظيم. لو تدبر أولئك القرآن وتمنعوا فيه بكل الأحاسيس والجوارح ما أظن أن شخصاً سوف تسول له نفسه بالاعتداء على المال العام أو المال الخاص، ولكن حتى الذين يقرأون القرآن لا يقرأونه بتدبر وتمعن، وربما تكون القراءة من أجل التباهي والشوفانية، ولذلك لم يتعظوا وظلوا في غيبهم يفعلون ما يشاءون غير آبهين بما يترتب علي ما يفعلون، ولذلك هذه مسؤولية الدولة ومسؤولية المراجع العام ومسؤولية رئيس البرلمان مولانا "أحمد إبراهيم الطاهر"، وكل أعضاء البرلمان عليهم أن يتصدوا لأولئك الذين أفسدوا علينا الحياة وأخذهم حقاً غير مستحق، على البرلمان أن يكشف على الملأ أسماء أولئك حتى ولو كانوا من القيادات. نحن لا نريد أن يكون تقرير المراجع موسمياً يعلن من خلاله نسبة التعدي على المال بالزيادة أو النقصان، نحن نريد أن تختفي تلك الظاهرة السيئة وأن تعود للمجتمع صحته وعافيته، وأن يستر ضعاف النفوس أولئك حتى لا يؤثروا على الآخرين وتنتقل العدوى من شخص إلى آخر ومن مؤسسة إلى أخرى.