هل كان هناك من داع لتسطير اتفاقية جديدة أو (نيفاشا 2) كما يحلو للبعض بين الحكومة والحركة الشعبية؟.. لدي قناعة راسخة يشاركني فيها الكثيرون بأن اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) الموقعة في العام 2005م فيها الحل الشافي لقضية أبيي والتي أفردت لها الاتفاقية (بروتوكول) خاصا بها.. لكن ما هي أسباب استمرار الأزمة؟.. الجواب بسيط وهو أن الحركة الشعبية بعد أن نالت انفصال الجنوب واطمأنت لتنفيذه فضلا عن الدعم الأمريكي غير المحدود لها سياسيا وماديا أرادت أن تقفز على ما أتفق عليه، لأن ما اتفق عليه قد يسلبها منطقة أبيي وما أتفق عليه هو اجراء استفتاء لمواطني أبيي من قبيلة المسيرية وقبيلة دينكا نقوك، ويخيّر سكان المنطقة بين الانضمام إلى الجنوب أو الشمال وفي كل الأحوال فإن الخيار هو خيار السكان وليس خيار الأرض بمعنى أن تبقى أرض أبيي شمالية ضمن حدود 1956م ويختار دينكا نقوك بين البقاء في الشمال أو الرحيل إلى الجنوب.. لكن الحركة الشعبية تريد أن تضم أبيي إليها جملة واحدة وتطرد المسيرية شمالا وتجردهم حتى من حق الاختيار.. عدد وافر من أبناء أبيي هم من الصف الأول في قيادة الحركة وهم الذين يقودون خط ضم أبيي للجنوب، فإن لم يتحقق لهم ذلك فسيصبحون شماليين وبالتالي لن يجدوا نصيبهم من السلطة والثروة في دولة الجنوب المأزومة بالصراع حولهما.. كثيرون نسوا أو تناسوا أن أبيي شمالية بدليل أن الحاكم العسكري البريطاني قاتله الله في العام 1905م جاء بدينكا نقوك شمالا في منطقة أبيي للفصل بينهم وبين النوير بعد حروب دامية بين القبيلتين.. ما أدهشني حقا ما قاله المحلل السياسي والأكاديمي البروفيسور حسن الساعوري وهو يحاول تجميل وجه اتفاقية أديس أبابا القبيح حين وصف اتفاق أديس أبابا باتفاق تصحيح مسار نيفاشا!!، بالطبع حق لمالك نائب رئيس الحركة أن يقول عنه أنه عملية (تطويرية) لنيفاشا فهو الكاسب ولكن ما بال الساعوري؟!. عقب نتيجة الاستفتاء والتي جاءت لصالح الانفصال طرحت للشمال وبجرأة تحسد عليها (3) خيارات مجحفة ولا علاقة لها البتة باتفاقية (نيفاشا).. الخيار الأول: أن يعترف الشمال ويقر بتبعية أبيي للجنوب، الخيار الثاني: إجراء الاستفتاء على المنطقة بدون مشاركة المسيرية، الخيار الثالث: جعل أبيي منطقة منزوعة السلاح وتحت رعاية الأممالمتحدة.. الولاياتالمتحدة التي تؤيد بدون مواربة الحركة الشعبية أوعزت للحركة بالتركيز على الخيار الأخير، ومنذ ذلك الوقت بدأت الولاياتالمتحدة بالعمل على تنفيذ ذلك الخيار المجحف، فأجرى السفير برينستون ليمان المبعوث الأمريكي الجديد للسودان وكان وقتها مساعدا لسلفه اسكود غرايشون اتصالات مع الحكومة الأثيوبية لأن تتبنى ارسال قوات أثيوبية وتم الاتفاق بأن تكون ذات صلاحيات وتفويض من مجلس الأمن.. على أرض الواقع استدرجت الحركة الشعبية الجيش السوداني في كمين نصبته لقوة تابعة له في أبيي وقتلت (22) فردا منه وعلى إثر ذلك تحرك الجيش غاضبا وبسط سيطرته على أبيي.. بعد نجاح المخطط الأمريكي بدأت التحركات والدعوات لاخراج الجيش السوداني من أبيي وادانة الخطوات التي قام بها، وتمثّلت الحركة الشعبية دور الثعلب وأخذت تتحدث بخطاب لين تؤكد فيه أنه لا عودة للحرب!! وانطبق عليها قول الشاعر أحمد شوقي: برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا ** فمشى في الأرض يهذي ويسبّ الماكرينا الضغوط على السودان جرته لتوقيع اتفاق سمي باتفاق اديس أبابا باعتباره اتفاقا ثنائيا بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية برعاية أثيوبية يقضي بارسال حوالي (600) جندي أثيوبي (كتيبتان) لحفظ الأمن في أبيي.. الحكومة ظنت وبعض الظن أثم أن الاتفاق سيظل ثنائيا وتستطيع طرد القوات الأثيوبية متى ما شاءت لكن الأمريكان كانوا أشطر وبلعبة بهلوانية أصبح الاتفاق أمميا وبقرار من مجلس الأمن الدولي وتحت البند السابع وأرتفع عدد القوات الأثيوبية من (600) جندي إلى (4200) جندي.. يا للهول لقد أصبحت أبيي مستعمرة أثيوبية!!.. الخوف أن أثيوبيا لديها قناعة بأن أبيي منطقة جنوبية وهي الأقرب لمزاج الحركة الشعبية وستقف القوات الأثيوبية وهي صاحبة السمعة السيئة في الصومال بجانب دينكا نقوك وتقف بالمرصاد للمسيرية وهي مزودة بصلاحيات الفصل السابع وما أدراك ما الفصل السابع فيه الويل والثبور وعظائم الأمور.. نعم لقد تحقق للحركة الشعبية فرض الخيار الثالث سالف الذكر وعلى الحكومة السودانية أن ( تبلّ بروتوكول أبيي وتشرب مويته).. وهنيئا لقادة الحركة الشعبية تبادل نخب الانتصار. Yasir Mahgoub [[email protected]]