لا يتوقع أكثر الناس تفاؤلاً أن تترك الأزمة التي مرت بها دارفور آثاراً يحولها المواطنون إلى فرص إيجابية يستفيد منها إنسان دارفور، وتحدث تحولاً جذرياً في حياة المواطنين الذين كانوا في السابق يحترفون حرفة الرعي ويعتمدون على غيرهم في إنتاج المحاصيل الزراعية، هذا ما حدث لأهالي محلية كبم خاصة في منطقتي أم لباسة ومركندي، ويقول المزارع "إدريس عمر إدريس" إن هاتين المنطقتين كانت كغيرها من مناطق محليتي عد الفرسان الكبرى ورهيد البردي الرعويتين، تعتمدان على منطقتي شطاية وكايليك الزراعيتين في إنتاج ما تحتاجه من محاصيل زراعية خاصة محاصيل (البصل والخضروات البطاطس والبامبي والموز وقصب السكر)، وبعد أن شردت الحرب أهالي منطقتي شطاية وكايليك في بداية الأزمة عام 2003م فقدت المناطق المجاورة لها من يمدها بالمحاصيل الزراعية التي تنتجها المنطقتان، فاضطر المواطنون في منطقة أم لباسة المجاورة للمنطقتين أن يهتدوا بتجربة جيرانهم الذين نزح بعضهم إلى المنطقة ليكونوا جنباً إلى جنب مع حرفة الرعي، واستفادوا من النازحين كعمالة، واكتسبوا منهم الخبرات وأدخلوا بدورهم الحزم الزراعية الحديثة وساعدتهم في ذلك الأراضي الخصبة بالمنطقة التي تتميز بوجود عدد من الأودية خاصة شريط وادي (كايا)، وبذلك أصبحت منطقة أم لباسة أكبر منتج لقصب السكر والموز في دارفور، حيث فاق إنتاجها الطاقة الاستهلاكية لسكان دارفور وصار إنتاجهم يصل إلى عدد من مناطق ولايتي جنوب وشمال كردفان، ولم يزل هناك فائض في الإنتاج خاصة محصول قصب السكر الذي انتقلت زراعته إلى منطقة مركندي الواقعة جنوب رئاسة المحلية كبم. من جانبه، أشار رئيس جمعية أم لباسة للتنمية الزراعية "حسين يوسف" إلى أنهم عندما رأوا أن إنتاجهم من القصب واجه مشكلة في التسويق رفعوا هذا الأمر إلى السلطات المختصة بالولاية، واقترحوا عليها أن تجري دراسات لإنشاء مصنع للسكر بالمنطقة ليستوعب إنتاجهم من القصب، ويحوله لسلعة سكر يستفيد منها كل السودان، وبدورها أخذت حكومة الولاية ممثلة في مفوضية تشجيع الاستثمار ووزارة الزراعة الأمر مأخذ الجد، واتصلت ببيوت خبرة ووزارتي الكهرباء والسدود والصناعة لإجراء دراسات حول مشروع قيام مصنع للسكر بالمنطقة ليحمل اسم (مصنع سكر وادي كايا) وبالفعل وصل إلى الولاية فريق هندسي مشترك من الوزارتين وشركة البحر الأحمر للاستشارات وباشر دراساته الفنية الأولية لإنشاء المصنع، حيث أجرى الفريق الهندسي جولة واسعة على موقع إنشاء المصنع، وتعرّف على تربة وطبيعة المنطقة ومدى توفر المياه الكافية لزراعة قصب السكر التي تكفي لعمل المصنع، وقال والي الولاية "حماد إسماعيل" إن قيام المصنع يجد الدعم، والإرادة السياسية من قبل رئاسة الجمهورية ووزارة الصناعة الاتحادية، ووجه الوالي في احتفال منطقة أم لباسة ببدء الدراسات الفنية الأولية للمصنع، كما وجه وزارة التخطيط والتنمية بإجراء دراسة لإنشاء طريق يربط بين منطقة أم لباسة وحاضرة الولاية نيالا، وحذّر المواطنين من الاستماع لأي شخص يشكك في قيام المصنع، وأن يعملوا على حسم كل من يحاول زعزعة الأمن لتعطيل المشروع. من جانبه، قال وزير الزراعة والغابات إن الأراضي المخصصة لزراعة قصب السكر لتشغيل المصنع تقدر بحوالي (40) كيلومتراً مربعاً، وأضاف إن مقومات إنشاء المصنع توفرت من حيث المساحات الزراعية والبيئة والتوافق الاجتماعي، وأشار "الدخيري" خلال تنويره لقيادات المنطقة إلى أن التكلفة الأولية للمصنع تبلغ (20) مليون دولار، وأوضح الجهود التي بذلتها حكومة الولاية والخطط التي وضعتها لتنفيذ المشروع، ودعا المواطنين إلى الاستعداد النفسي، وأضاف إن المصنع لن يكون خصماً على المراعي أو الاستيلاء على أراضي المواطنين، لافتاً إلى أن المصنع سيعمل بجهود مشتركة بين المواطنين وإدارة المصنع، حيث يزرع المواطنون بالمواصفات العلمية التي يحددها المختصون، فضلاً عن التسهيلات التي يقدمها للمزارعين. من جهته، أوضح مفوض الاستثمار بالولاية رئيس لجنة إنشاء المصنع "عبد الرحيم عمر حسن" إن الدراسات الفنية الأولية التي تم إجراؤها سيُرفع بواسطتها تقرير إلى وزارة الصناعة في نهاية الشهر الحالي بغرض طرح عطاء إنشاء المصنع، وأكد أنه حسب خطتهم سيتم إنتاج أول جوال من مصنع سكر وادي كايا بعد (24) شهراً من الآن، وأشار إلى أن المواصفات التي حدّدتها الشركة السودانية للسكر قد توفرت من حيث خصوبة التربة وتوفر المياه والمساحات الزراعية الكافية لتشغيل المصنع. وأشار عضو الفريق الهندسي المختص في قصب السكر "محمد عبد الرحيم" إلى أن عينة القصب التي تتم زراعتها في المنطقة تحتاج إلى المزيد من الدراسات لإثبات جودتها لإنتاج السكر، وقال إن شكل القصب في المزارع يعطي نتائج أولية إيجابية، وأوضح أنه علم من المزارعين أن عينة القصب المزروع بالمنطقة إنتاجها غير مستقر في (الخلفة)، الأمر الذي يعد عيباً يحتاج إلى استجلاب عينات أخرى وزراعتها في مزرعة تجريبية لعدة سنوات، ليتم اختيار العينة المناسبة لإنتاج السكر بمعدلات تفي حاجة المصنع، فيما بيّن أعضاء الفريق الهندسي في حديثهم مع (المجهر) أن المؤشرات الأولية تبشر بنتائج إيجابية خاصة فيما يتعلق بتوفر المياه وخصوبة التربة وإنتاجها لقصب السكر، ويبقى التحدي أمام حكومة الولاية في المضي قدماً في إنشاء مصنع سكر (وادي كايا) وإنتاج أول جوال سكر بعد (24) شهراً كما وعد بذلك مفوض تشجيع الاستثمار بالولاية أثناء حديثه مع وزير الصناعة الاتحادي، الأمر الذي جعل الأخير يبدي تحمساً للمشروع، حسب مفوض تشجيع الاستثمار.