بعد المثول أمام النيابة إن كانت نيابة الصحافة التي أصبحنا زبائن لها أو لجنة الشكاوى بالمجلس القومي للصحافة والمطبوعات، ترقينا إلى المثول أمام المحاكم في قضايا النشر التي لم يكن الغرض فيها اشانة سمعة المواطن أو المركز أو الهيئة أو أية مؤسسة أخرى، فكلنا يعلم أن هناك أخباراً ترد إلى الصحف، ويتم نشرها بغرض المصلحة العامة، ولكن جهة ما تعتبر أن النشر قد أضر بها، وهي تعلم - تلك الجهة - ليست هناك نية مبيتة أو غرضاً أو استهدافاً لها، ولكن تصر تلك الجهة على الذهاب إلى النيابة أو المحاكم، ويبدأ مسلسل النيابة والمحاكم، ولكن العقلاء يقصرون الطريق بالجلوس سوياً وتسوية الأمر، لأن تلتلة المحاكم لا يعرفها إلا المحامون الذين يشدون الرحال يومياً إلى المحاكم، وينتظرون فترات طويلة إلى حين سماع القضية وسماع الشهود، وأحياناً تؤجل الجلسة إلى أسبوع أو شهر أو شهرين، وأحياناً تستمر المحاكم لسنين طويلة. بالأمس كان أول يوم أقف فيه أمام القاضي المختص بقضايا النشر، في بلاغ تقدم به محامو مركز (فضيل الطبي) في قضية نشر لم أتوقع أن يصل البلاغ إلى المحكمة، وكان من الممكن احتواء قضية النشر بنشر خبر تصحيحي إذا رأى المستشفى أن هناك ضرراً واقعاً عليه في قضية النشر. قبل المثول أمام القاضي، كنت قد اتصلت بالبروفيسور "سليمان صالح فضيل" مدير المستشفى، عرفته بنفسي، وكنت قد التقيت به قبل عشر سنوات تقريباً، وأجرينا معه حواراً بعنوان (نجوم قريبة) باعتباره أحد نجوم المجتمع، والذي استطاع بجهده الخارق أن يؤسس تلك المستشفى الرائدة، والتي أصبحت ملاذاً وملجأً للكثيرين لما لها من أجهزة متطورة، حاولت أن أذكر البروف، ولكن يبدو أن الزمن طال، على العموم هدفنا كان إصلاح العلاقة بيننا وبينه وبين ما نُشر في وقت سابق، البروف كان لطيفاً، وأكد أن لا ليس هناك معصوماً من الخطأ، وبالإمكان الجلوس لمعالجة الأخطاء، والصحافة ليست من أهدافها اشانة سمعة الآخرين كما يتوهم البعض، بقدر ما تعمل من أجل المصلحة العامة وتبصير المجتمع، حتى وأن وقعت أخطاء بالمستشفيات أو المراكز الصحية أو أخطاء أطباء، بالتأكيد لم تكن تلك الأخطاء مقصودة، ولكن نشرها بغرض التبيين حتى لا تحدث أخطاء مماثلة، وهناك أطباء وأطباء تخدير يعترفون بأخطائهم، ولم نشهد طبيباً قد مثل أمام المحاكم، وحتى إذا توفى المريض بخطأ طبي، أهل المتوفى يقولون هذا قضاء وقدر، فيحملون ميتهم ويذهبون، ولا يقدم الطبيب الذي أخطأ إلى المحكمة، فالأخطاء الطبية تموت في المستشفى أو في العيادة أو المركز، لكن إذا نشرت صحيفة خطأً طبياً تقوم القيامة، وتفتح البلاغات باعتبار أن تلك اشانة سمعة، وإذا كانت الصحف تترصد المستشفيات الخاصة بالأخطاء الطبية، فلن نجد مستشفى واحداً فاتح الآن، لان الصحافة تعلم أن هناك أخطاء طبية غير مقصودة، فالطبيب ليس من مصلحته قتل المريض أو إحداث الضرر له، بقدر ما يفرح عندما تنجح العملية التي يجريها لمريضه. دخلت أول جلسة في البلاغ المقدم من مستشفى (فضيل)، ولعدم وصول محامينا تأجلت الجلسة، ووجدنا عدداً من الزملاء والصحفيين (متلتلين) في بلاغات نشر بعضها في صحف أغلقت، وتعجبت لقيمة التعويض التي تطالب به بعض الجهات الشاكية، تخيلوا كم المبلغ الذي تطالب به تلك الجهة جنيه فقط، وهناك جهة مطالبة بخمسة جنيهات، إذاً ما فائدة تلك التلتلة، إذا كان بالإمكان الوصول إلى رد اعتبار لتلك الجهة بالنشر والتصحيح إن كان هناك خطأ، وقد تتضرر الجهة الشاكية إذا خسرت القضية بإعادة النشر من جديد (والما سمع يسمع والما شاف يتفرج)، وفي النهاية القضية قضية نشر، لذا لا بد من عقلاء.