بدءا من الأورام، مرورا بالفشل الكلوي، وانتهاءً بالعقم والبروستاتا والبواسير .. يمكنك حسب الإعلانات التجارية الحصول على علاجاتها من أول دكان ! لا أحد يحب مراجعة الأطباء، ولا أحد يحب المرض، لكننا نضطر لمراجعة الطبيب، لنعالج أمراضنا ونحافظ على صحتنا . ولأن الإعلانات التجارية قد تكون قادرة على اصطياد الزبائن، فإنها تؤثر في الكثير من المتلقين، خصوصا أولئك الذين يترددون في مراجعة الأطباء، أو الذين يخشون التلتلة البدنية والدوخة المادية، أو أولئك الذين يتشككون في وجود الأدوية المطلوبة بالصيدليات أو حتى جدواها العلاجية . من هنا تبدأ المشكلة .. فتجد الإعلانات عن الأدوية والأعشاب والصناعات الغذائية البائرة .. مناخا ملائما .. تدغدغ فيه مشاعر الباحثين عن الصحة .. فيفرون بجلودهم وأموالهم إليها، ليكون حصادهم في الغالب الأعم .. مزيدا من التدهور الصحي .. أو ربما الهلاك بعلاجات لا تعترف بفحص سريري، ولا بنتائج مختبر ! أنباء الأمس، حملت بين طياتها خبرا أوردته زميلتنا النشطة فاطمة عوض، جاء فيه أن اتحاد الصيادلة السودانيين طالب بمساءلة وزير الإعلام د. أحمد بلال عثمان، عما وصفه بالعبث والفوضى في الإعلانات على القنوات والصحف، خصوصا الإعلانات الصحية المتعلقة بحياة الناس . رئيس اتحاد الصيادلة، د. صلاح سوار الذهب، تبرأ من مسؤولية هذه الإعلانات، وقال بحسب الخبر إن الاتحاد لا سلطة له على الجهات التي تقوم بإعلانات طبية مخالفة أو مضللة، وأنه لا المجلس الطبي، ولا جمعية حماية المستهلك قادران على ضبط الأمر ! ما هذه المصائب التي تتنزل على رؤوسنا كالأمطار ؟ سوقنا يعج بكل ما يدمر الصحة، من كيماويات التجميل التي تسلخ جلود فتياتنا، وتصيبهن بالفشل الكلوي وسرطانات الجلد، والمقويات التي تدغدغ الأحلام بتوفير القوة واستعادتها، وإيقاف الشيخوخة وإزالة التجاعيد، وعلاج الأمراض الخطيرة التي يتم علاجها في المراكز التخصصية أو حتى في غرف العناية الفائقة !! المشكلة أن (المناخ) المسمم لمثل هذه العلاجات التي تمارس تغيبب العقول، هو الذي يشجعها، فالعلاج الحقيقي الجيد غير متوفر إلا لأصحاب القدرة المادية العالية، وحتى أصحاب القدرة باتوا لا يتعالجون في مستشفيات السودان، والصيدليات ظلت منذ قرابة العام تفتقد للكثير من الأدوية والعلاجات الضرورية للأمراض بسبب شح الدولار وصعوبات الاستيراد، والمستشفيات العامة حالها يغني عن السؤال، والكثير من أجهزة الإعلام والتنوير تعاني من صعوبات جمة في مجال تمويل برامجها والإيفاء بحقوق العاملين فيها، فتغض الطرف عن مضامين الإعلانات إكراما لعيون العائد المادي . مثل هذا المناخ الخانق .. يتسبب في زحف السلع المضللة والزائفة إلى أرفف العطارين، وإلى حقائب الدجالين، وإلى أماكن العرض في البقالات والدكاكين، بل ويؤدي للترويج لها حتى في أجهزة الإعلام المؤثرة، ما دام الناس غير قادرين على طرق الابواب السليمة، فيجدون في حلم العلاج السهل المباشر دون تعقيد .. ملاذا نفسيا دون اكتراث للعواقب الوخيمة المترتبة عليه . المشكلة أكبر من ورطة إعلامية في الترويج للعلاجات الوهمية والضارة، المشكلة هي في مناخ عام أفسدته السياسة في عناوينه الرئيسة، وزادت في إفساده المشاكل الاقتصادية الحارقة، ليأتي الإعلام أو بعضه ليكمل الناقصة .. ويزيد الطين بلة ! ارحمنا .. يا أرحم الراحمين !