عرفت السبب أخيرا، وأدركت لماذا يتنمر التايفويد .. والدوسنتاريا، والأمراض المعوية على الكثيرين من خلق الله في العاصمة . فقد أدهشني والله، قرار ولاية الخرطوم إجراء كشف طبي لكل العاملين في المهن ذات الصلة بالصحة العامة، بناء على توصية وزارة الصحة . الدهشة لم تكن بسبب مضمون القرار، ولكن بسبب أن القرار يشي بأن الكشف لم يكن يتم تطبيقه طوال السنوات الماضية، والناس تأكل من أيدي حاملي التايفويد، وتدخل إلى جوفها، ومن مالها الخاص، المرض والمعاناة .. لتقضي أياما وأسابيع بحثا عن العلاج. الخبر الذي أوردته (الصحافة) أمس، أشار إلى أن وزير الصحة قال إن الهدف من الكشف هو الحد من انتشار الأمراض المنقولة بواسطة العاملين في تداول الأطعمة والمشروبات .. وفي صوالين الحلاقة والكوافير . لم أكن أعلم والله .. أن الأطعمة والمشروبات .. تباع هكذا على الناس، وفي مطاعم نحسب أنها آمنة .. دون أن يكون العاملون فيها ممن يحملون شهادات صحية بناء على كشف طبي معتمد من الجهات المختصة. فإذا كانت السلطات تحرص على حقوقها الجبائية في هذه المطاعم، ولا تفرط في مليم واحد، فلماذا لا تحرص على صحة الناس أيضا، وكيف كان الأمر يسير قبل القرار، في حين أن الناس لم تتوقف عن الأكل والشرب، ولا يمكنهم التوقف عن هذا الأمر .. طالما أن الحياة تتطلب الغذاء للبقاء ضمن الأحياء في هذه الدنيا ! طبعا نحن لم نتطرق للأكل المكشوف، والمعروض في الهواء الطلق وعلى قارعة الطرقات بالعاصمة، فتلك الأماكن بعيدة دون أدنى شك عن أي رقابة صحية، فما دام أهل المطاعم المأمونة غائبين عن الرقابة الصحية .. فكيف بالآخرين من بائعي المأكولات والمشروبات في العراء ؟ القرار المدهش، والذي أقدّر صدوره، حتى لو جاء متأخرا جدا، فخير لنا أن يأتي متأخرا من ألا يأتي أبدا .. هذا القرار شمل وفقا للخبر العاملين في الحلاقة والعاملات في الكوافير .. أولئك الأعزاء من أبنائنا وبناتنا الذين نسلم لهم رؤوسنا ورؤوس فتياتنا بكل رحابة صدر .. ليقوموا بتزيينها، أو بعمل بعض الإجراءات التجميلية في محال الكوافير. وبكل صدق أقول انني لم أكن أعرف بأن رأسي يتعرض في كل حلاقة لاحتمالات الإصابة بالجروح، والتي من الممكن جدا أن تنقل الأمراض الوبائية المعروفة، بدءا من الإيدز، وانتهاءً بالتهاب الكبد الوبائي، والسبب بكل بساطة ليس تهرب العاملين من الكشف الطبي، ولكن لأن السلطات لم تكن حريصة على هذا الأمر، ولا تتمسك به .. هذا إذا قرأنا صدور القرار في السياق المنطقي الذي يدل عليه ! وللحقيقة، فإن الكثير من صوالين الحلاقة .. تتوفر فيها عوامل النظافة، وتغيير الأمواس، والحرص على راحة الزبون، لكن هذا لا يعني أن الحال يمكن الاطمئنان له .. مادامت الشروط الصحية الروتينية والموجودة في كل العالم، غائبة، وأهمها على الإطلاق توفر الشهادة الصحية التي تؤكد اللياقة الصحية لمن يقوم بهذا العمل الحساس . صدر القرار والحمد لله، والأمل أن تتم متابعته .. قفلا للباب أمام المعاناة الصامتة .. تلك التي يعانيها مرضى التايفويد، والدوسنتاريا وربما الكبد الوبائي والأيدز، والذين يسقطون ضحايا المطاعم وصوالين الحلاقة والكوافير .. دون أن يدري أحد .