في ذلك اليوم من الأيام البعيدة لكنها محفورة في ذاكرتي وكأن الحدث أمامي الآن هرب منا الورل ودخل بركة الماء، غير قادرين على قتله لأننا لا نملك حراباً كافية لفعل ذلك في المقام الأول، ثم إننا لم نكن وصلنا السن الكافي ليكون الرمح المنطلق من ساعد أحدنا يثقب جلد دجاجة ناهيك عن ورل، خاله البعض منا في البداية تمساحاً حتى أنهم جروا وعادوا بعد هتاف (اقانج.. اقانج) والذي يعني الورل في لغة الدينكا. وما أتذكّره هنا لكم سادتي القراء عبارة عن حدث في أيام طفولتي، وأما محاولتنا الفاشلة لصيد ذلك الورل المحظوظ فقد باءت بالفشل ذلك النهار وفقدنا وجبة كنا اشتهيناها بشوائها بالنار، لكن حظ ذلك الزاحف لم يكن صدفة فقط إنما تم بفعل فاعل، فالذين لجأنا لهم من أهل الحي الذين نحن جزء منهم رفضوا مساعدتنا جملة وتفصيلاً إيذاء هذا المخلوق المقدّس. يعتبر أقانج واحداً من مقدسات أسرة (قرنق) ونحن ننتمي أيضاً لتلك الأسر التي تقدّس الإله قرنق ويمنع فيها اكل الورل او قتله أو ايذائه، لكن لأننا كنا أطفالاً صغاراً فالدينكا تقول بأن الأطفال غير محاسبين على أفعال لا يعرفون حقيقتها كاملاً. وقد حاول كل شخص موجود تحذيرنا بما يعرفونه ونصحنا بأن الورل واحد من مقدسات العائلة التي تقدس قرنق ولذا يحرم قتله. وعندما أظهرنا اللامبالاة من الكبار الموجودين وذهبنا نريد تنفيذ ما نريد غلبنا قتل الورل الذي وجدناه في فسحة واسعة في ذلك اليوم، لكنه جرى بعيداً عنا. عندما حكينا قصة فشلنا في اللحاق بذلك الورل لأحد الشباب في مساء ذلك اليوم ضحك هذا حتى أننا ظنناه جنّ بسبب ما قلناه، لكنه تماسك فيما بعد وقال لقد كنتم تظنون أنفسكم أشقياء وأذكياء فكيف لا يحدث هذا لكم. وأضاف بأن الورل هو الحيوان الوحيد الذي يعرف عنه خداعه لأذكى حيوان عرفته البشرية بحيله ومكره وهو الثعلب. ثم قال بأن الثعلب هذا يعرف عنه مقالبه الكثيرة مع خاله الأسد وكم من مرة حاول الليث القبض عليه انتقاماً منه على ما قام به إحدى المرات، وكان الثعلب يظن الأسد ناسياً لكنه فاجأ الثعلب مساء أحد الأيام في داره وسط أولاده وزوجته. وقال الأسد لقد زغت مرات كثيرة فأين تذهب هذه المرة؟ قال الثعلب لم أقصد ذلك خالي العزيز لكنني كنت أجئ وأجدك ذهبت. والآن لن أغادر المكان أبداً وأنا لم ارضك واعترف لك بخطأي نحوك. ثم أردف (فقط يا خال هذه الجلسة غير مكتملة ما لم نحضر (وال أروج) وهي قصة وهمية اخترعها الثعلب في لحظته وطلب من ابنه الأكبر الذهاب للبحث عنها. وبعد فترة من الزمن التفت الثعلب نحو ابنه الآخر، وقال (اخوك العوير دا ما قادر يجيب لينا القش.. كدا امشي شوفو مالو).. ثم جاء الأمر لزوجته فقال (كدي شوفي الأولاد مالوم؟)... واخيراً قال لخاله (من المؤسف ألا يكون أولادي مثلي حتى امهم لم تعرف مقصدي وتعود إلي بسرعة، هؤلاء إذا لم اذهب بنفسي فلن يأتوا أبدا. انتظرني يا خال وسوف اعود بعد قليل). ويظل الأسد أقوى والورل بطيء الحركة والثعلب أذكى وآخر الأخبار الواردة من أبيي تقول بأن الثعالب صارت تأكل البشر. لويل كودو - السوداني-العدد رقم 978- 2008-08-5