عندما يحكم شيطان الغضب قبضته القوية على قلب أحد الزوجين أو كلاهما وتندلع (الشكلة)، غالبا ما يعلق الاطفال في وسطها دون أن يهتم الزوجين المشغولين ب (الكواريك والمنابيذ) لعمق ما تتركه من آثار سالبة على قلوبهم الصغيرة، ومدى الدمار والخسائر الفادحة التي تحدثها على صحتهم النفسية والتي تدوم .. وتدوم ما دامت بهم الحياة. أول ما يفقده الصغار عند اندلاع (الشكلة) بين ابويهما هو الشعور بالأمان، ولعلنا نلاحظ ان الطفل ما ان يسمع أصوات الخلاف والصراخ العالية، حتى يبادر للإنذواء في أحد الأركان ويدفن وجهه بين يديه، أو قد يضع اصابعه الصغيرة داخل اذنيه علها تمنع وصول تلك الاصوات إليها .. أما عندما يغيب المنطق وتدهور الأمور، لتصل حد حضيض التشابك بالأيدي وركلات الجزاء الترجيحية، والتي قد يحسمها الزوج ب(الكف الصاموتي) أو يستعمل طريقة اجدادنا القدماء الفعالة في (الزعمطة) وجر نسائهم من الشعور ليمسحوا بهن الأرض فعليا وليس مجازا .. حينها ينفجر العيال بالبكاء خوفا ورعبا، وقد تدفعهم قلوبهم الحنونة للاسراع بالتدخل لحجازة أمهم وتخليصها من بين يدي الاب الثائر .. أو العكس .. فقد ساعدت كثرة الغبن الذي تتعرض له النسوان على تحويلهن إلى (فتوات) يخشى بأسهن وبالتالي قد يسعى العيال لتخليص أبيهم من بين يدي أمهم قبل أن تجهز عليه باللبعة القاضية !! يعتبر الشعور بالأمان هو مظلة الطفل التي يفردها عليه والديه بجوده داخل الأسرة، ولذلك يكون لفقدانها آثار طويلة المدى، فقد يعمد الطفل إذا كان صبيا للهروب الدائم من البيت إلى الشارع ويفضله على جو البيت المسموم، وقد يفقد من الوقت ارتباطه العاطفي بالبيت ومن فيه، وبالتالي قد يفكر في مغادرته نهائيا عند بلوغه لمرحلة فوران المراهقة .. أما إذا كان الطفل صبية فنجد أنها تميل للانعزال والبعد عن بقية أفراد الأسرة وما أن تشب عن الطوق وتصل سن المراهقة، حتى يكون همها الشاغل هو البحث عن عريس ليأخذها بعيدا عن جو النكد .. سألت إحدى معارفنا التي اشتهرت بيننا بكثرة خلافاتها مع زوجها وكثرة حردانها في بيت أهلها لدرجة أنها تقضي نصف ايام الاسبوع في بيت أهلها والنصف الآخر في بيتها، سألتها عندما علمت برغبتها في تزويج إبنتها التي لم تكمل ربيعها الخامس عشر: مالك علي البنية ما تخليها تقرأ قرايتا ؟ أجابتني: يختي هي براها الملهوفة علي العرس .. التمشي تقرا في بيت راجلا .. خليها التعرس عشان تنْحلّه من شبكة أبوها .. كل يوم يقيم فينا الليل كلو بالدوشة والعوعاي .. مش أخير التريح اضانا من جنس ده؟!! طبعا الخطورة الحقيقية لدخول العيال في وسط معمعة المشاكل بين والديهما، هو أن يميل الطفل لجانب أحد الأبوين ضد الآخر .. فالاطفال بما يمتلكونه من شفافية قادرون على التميز بين الجاني والمجني عليه في تلك الخلافات، وبالتالي نجدهم يميلون لجانب المظلوم من وجهة نظرهم، ويكرهون الطرف الآخر ويتجنبوه كحال ابنة صديقتنا تلك، التي كان مبلغ همها أن تبتعد عن (نبيح) ابيها الدائم فوق رؤسهم. في شبابي – حلوة دي - قبل الزواج كانت لي صديقة صغيرونة من أهل مودتنا .. كنت أخصها بتدليلي ورعايتي وتخصني بأنسها وحكاياها وأسرارها الصغيرة .. كانت تضجع بجواري في ذات أمسية وتثرثر لي بكلامها (الخارم بارم) بينما انشغلت عنها بمتابعة التلفزيون ، لإنتبه فجأه على سؤالها لي: مش بتعرفيهو؟؟ سألتها بدوري: هو منو البعرفو؟ فمالت علي هامسة وبريق الخطورة يشع من عينيها الواسعتين: مصطفى البقبض !! سألتها في حيرة: مصطفى منو؟؟ وقبض شنو؟؟ أجابتني بلكنة استهجان كأنها تقول (انتي ما بتعرفي أي حاجة): مصطفى البقبض .. قبض فوزية ولوى ليها يدها .. قامت كوركت وقالت ليهو فك يدي يا سكران يا مجنون !! بعد حكحكة وكب الشمار من جانبي، والاسهاب في التفاصيل من جانبها، اتضح أن صديقتي الصغيرة كانت في زيارة لخالتها، والتي شاء حظها العاثر لأن تندلع (الشكلة) بينها وبين زوجها السكير في حضور صديقتي الصغيرة، والتي اختزنتها ك (سر حربي) خطير لتخصني بتفاصيلها .. طبعا من حينها صار مصطلح (مصطفى البقبض) أحد لوازم أنسنا المحببة. لطائف - صحيفة حكايات [email protected]