تابعت قبل بضعة سنوات حملة قادتها الصحافة المصرية على تردي التعليم وتدني المستوى الفكري والثقافي للخريج الجامعي، وضحالة مخزونه من المعارف التي تتيح له الانخراط في الحياة العملية .. وقتها كتب أحد كبار كتاب الأعمدة الصحفية عن إحباطه الشديد عندما دعاه مدير إحدى المؤسسات، للإطلاع على نماذج من إجابات الخريجين على أسئلة المعاينات التي عقدتها تلك المؤسسة لإختيار مجموعة من حديثي التخرج للإنضمام لطاقم موظفيها .. حكى الكاتب عن إحساسه بعظم مصاب الأمة، إذا كان من أجاب على تلك الاسئلة هم شبابها وعماد مستقبلها من خريجي الجامعات .. وأورد بعض الأمثلة على ضعف اللغة وركاكتها مع الاخطاء الإملائية واللغوية الفادحة، ومن ضمنها إجابة أحد الممتحنين على سؤال عن نوعية الافلام التي يحب مشاهدتها فأجاب بأنه: يحب (الهنديان فلم) !! .. ولعل هذا الخريج المسكين أراد أن (يقشر) بإنجليزيته وعندما عاندته التهجئة كتبها بالعربية ف أثبت أنه (هندي) الهوى !! عادت لذاكرتي تلك الحملة وأنا أتابع في الأيام الماضية حملة مشابهة قادتها صحافتنا السودانية على إثر تصريحات دكتور (معتصم عبد الرحيم) التي نعى فيها للأمة السودانية فقيدتها الغالية (كلية التربية)، فهذه التصريحات تحمل في مضمونها الترحم على (السلم التعليمي) من (طقطق) رياض الأطفال وإلى (سلام عليكم) ممتحني الشهادة السودانية، والتي يعلم بفداحة المصاب فيها الأساتذة الأجلاء الذين يقع على عاتقهم تصحيح (عك) الشهادة السودانية وفك طلاسم أوراق الإجابات التي يسود الطلاب بياضها بحروف وطلاسم، قد يحتار علماء اللغات في نسبها ل الهيروغلوفية أو اللاتينية أم ل (هندية) صديقنا أعلاه .. الحديث عن تدهور التعليم يمتد أيضا ليربطنا بحجوة (أم ضبيبينة) عن جدوى التحصيل الأكاديمي، الذي يخرج للمجتمع خريجا جامعيا (فاطي كراس كامل) ولا يعرف (كوعو من بوعو) .. كثيرا ما يتبادل أساتذة الجامعات في موسم الامتحانات طرائف عكّات الطلاب في أوراق الإجابة والمضحك المبكي من طرائف تلك العكّات .. أذكر أنني أوردت سؤال في الإمتحان لطلابي في إحدى الجامعات، سألتهم فيه عن صفات الأنثى التي تولد بخلل جيني معين، والذي أطلق العلماء على حاملته لقب (أنثى فائقة الأنوثة)، وذلك لأنها تحمل في كروموزوماتها (xxx) بدلا عن (xx) التي تحملها الأنثى العادية .. وحتى لا يسرح جماعة (الحارمنو أنا ووب علي منو) بعيدا وراء مواصفات الأنثى فائقة الأنوثة، فيتخيلوا أنها (تنقط) أنوثة .. شعر (سبنا) وقوام (هيفاء) ودلال (نانسي)، أقول أن الأنثى المصابة بهذا الاختلال تكون (متخلفة) وتتصف بالعدوانية والقسوة، وإن تضافر (سعد بت المنى) مع (سعد الشينة) ووقفا معا لتزويجها، فإنها ستمارس في حياتها الزوجية نوع من السادية والعنف والقهر على زوجها وتكتلوا بالمغصة .. ما علينا .. نرجع لمرجوعنا الأولاني فيبدو أنني سرحت أثناء المحاضرة التي درست فيها ذلك الإختلال، وحكيت – بالدارجي – عن صفات تلك الأنثى، لذلك تناولت إحدى طالباتي العزيزات ونستي ب (صمّتا) فأجابت عن سؤالي في الإمتحان بأنها: تكون امرأة شرانية وتنجّض راجلا !! وحتى تكون إجابتها علمية و(more specific) قامت بوضع (تنجّض) بين قوسين !! طبعا لم أحرمها أجر الإجتهاد في الإجابة فهي على الأقل كانت ناقشة حاجة وإن خانها التعبير ! نعود ل جنازة بحر التعليم لنحاول بعد سترها البحث عن سبب الغرق، وهل هو التقصير في تأهيل المعلم ف (نفرش) عليها قصاد (أحمد شرفي )، أم نحمّل وزرها لسياسات التعليم والمناهج فننصب المشانق ل (عبد الرحيم وصحبه) ؟!! قبل أن أختم مقالي أصابتني زهجة عارضة فغادرته لأتصفح موقع النيلين دوت كوم، فصادفني فيها – غريبة والله - خبر مفاده حصول معلمة سودانية تدعى (نوال بشير محمد بشير) على جائزة الشيخ (حمدان بن راشد) للأداء التعليمي المتميز بدولة الإمارات العربية المتحدة للعام 2009 .. أعادني هذا الخبر لمقالي بسرعة (صفر) وقررت إضافة صاحب جديد من أصحاب وجعة التعليم إلا وهو هجرة الكفاءات والخبرات التعليمية للخارج، ولأختم بتلاوة وصية المرحومة (جنازة البحر): (أعطوا المعلم حقه قبل أن يمسح غبار الطباشير عن وجهه) ف الكاش بقلل النقاش !! لطائف - صحيفة حكايات [email protected]