** يحكى أن .. عابر سبيل مر بقرية كان أهلها يبحثون عن هلال رمضان في يومه الأول بعد إفطارهم ، فشرع يبحث معهم محدقا في السماء بفضول يبحث عن شئ آخر غير الهلال ، حتى وقعت عيناه على ما يبحث عنه أهل القرية وصاح فيهم مشيرا إلي الهلال : وجدته ، وجدته ، وجدته..فرح الأهل جميعا ، بحيث كالوا من عبارات الشكر والثناء والإشادة على عابر سبيلهم حتى فاضت عيناه بالزهو وعقله بالتنطع ، فنظر إلي السماء مرة أخرى ثم صاح فيهم : داك كمان واحد تاني ..قالها ثم وقف حائرا ، بحيث لم يجد من أهل القرية شكرا ولا تقديرا ، بل قرأ في عيونهم الاستياء .. !! ** وهكذا السودان يا زميلتي لبنى أحمد حسين .. أي ، هتف لك البعض متعاطفا وداعما عندما كان الهلال المرتجى من كل ذاك الزخم هو : تعديل أو إلغاء قانون النظام العام ..فأعجبك الهتاف ، ولك حق الإعجاب ، ولكنك للأسف لم تحسني فهم مغزاه ومعناه ، بدليل أنك اليوم تقفين في سوح التنطع وتحدقين في سماء اليمن وتشيرين إلي المنظمات والجمعيات والإعلام هناك بهلال آخر فحواه : خرجت بمطار الخرطوم متخفية بالنقاب الأفغاني ، حيث ساعدنى البعض على الخروج ، فأنا محظورة عن السفر ، وسأعود إلي الخرطوم بذات الوسيلة التي خرجت بها ..أو هكذا صيحتك الثانية في قومك ، ولكنك لم و لن تجدين منهم شكرا ولا تقديرا هذه المرة ، لقد إمتلأت عيونهم وعقولهم - كما أهل تلك القرية - بالاستياء ..!! ** أيتها الزميلة ..كل من عليها يعلم بأن المرء حين يغادر البلد لا تضع الشرطة تأشيرة الخروج على رأس المغادر ، منقبا كان ذاك الرأس أو متبرجا ، بل تضعها على جواز سفره مقابل رسم معلوم القيمة ..ثم كل من عليها يعلم بأن المغادر حين يلج بحقيبته صالة المغادرة متوجها شطر الطائرة ، لاتطالبه السلطات هناك بادخال رأسه - ملثما كان أو أقرع وعاريا - في جهاز الحاسوب ، بل تستلم منه جوازه ثم تدخل بياناته في ذاك الحاسوب .. وعليه ، فالمحظور وغيره يظهران في نافذة التأشيرة أو عند مدخل صالة المغادرة ، فيرجع المحظور إلي آل بيته لاعنا السلطات - وأبو اليوم الجابها - ويغادر غير المحظور عزيزا مكرما ، كما زميلتي لبنى .. فلم يكن هناك داع للتنطع والإشارة إلي الهلال الثاني : أنا محظورة .. فالبنطال كان يكفي نضالا ضد قانون النظام العام ..!! ** ثم أيتها الزميلة .. فلنجمد عقولنا مؤقتا ، لنصدق بأن البعض ساعدك في الخروج تحت ستار النقاب الأفغاني ، أو كما تصفين كيفية الخروج ..حسنا ، إن كان الأمر كذلك ، أليس معيبا أن يضع حديثك كل العاملين بمطار الخرطوم - ساعة خروجك - تحت وطأة التحقيق والتحري والمحاسبة بتهمة أنهم خالفوا قانونا يحظر سفرك ..؟..إن كانت مساعدتهم إحسانا ، فهل هذا جزاء الإحسان ..؟..وإن كانت مساعدتهم نضالا ، أهكذا يغدر البعض المناضل بالبعض الأخر..؟.. تلك أسئلة إجاباتها غير مطلوبة ، لأنها ناتجة عن حدث لم يحدث ، أى لن يكون هناك تحقيق ولاتحرٍ ولامحاسبة للعاملين أثناء ساعات مغادرة لبنى ، والسبب : ليست هناك مخالفة في مغادرتها وسفرها .. سافرت - بالنقاب الأفغاني - كما الآلاف التي تسافر يوميا ، وستعود - بالنقاب الباكستاني أو بالثوب السوداني - كما الآلاف التي تعود يوميا ..أي ، ليس هناك حظر ولايحزنون ، والحظر السابق كان مرده قضية البنطال التي لم تكن قد فصلت فيها المحكمة آنذاك ، وهذا إجراء قانوني معترف به دوليا ومحليا ومعمول به رسميا و شعبيا في بلاد الدنيا والعالمين ..حتى في قضايا النشر ، كثيرا ما يستأذن الصحفي المحاكم عند السفر ، فتأذن له ، وإلا فان للشاكي حق إصدار « حظر سفره » ..هكذا أشرح لك - صديقي القارئ - أبجديات القانون ، وأنا آسف على إهدار زمنك لتعريفك بأن الماعز لا تطير، بل تمشي .. وما تقول لي : لو طارت برضو غنماية ..أو كما يقول المثل في مواقف المكابرة والمزايدة ...!! ** المهم .. أي ، كل ماسبق ذكره ليس مهما .. حيث كثيرة هي القضايا العادلة التي أفسدتها المرافعات غير الذكية ، وكثيرة هي الغايات السامية التي أهدرتها الوسائل غير المنطقية ، وكثيرة هي حقوق العامة التي أضاعتها أطماع الخاصة .. وسيتواصل الحال حتى نغير ما في أنفسنا ، أو هكذا شرط تغيير ما في القوم .. أي قوم ...!! إليكم - الصحافة –الاحد 08/11/2009 العدد 5881 [email protected]