في أواخر شهر مارس الماضي، نشرت صحيفة ذا إندبندنت البريطانية تقريرا مفاده أن اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا تعاني من ضائقة مالية وتطالب الحكومة البريطانية بزيادة مخصصاتها، وأبناء جيلي يذكرون مقولة الرئيس السوفيتي الراحل نيكيتا خرتشوف: أعرف ماذا يفعل دوق أدنبره زوج ملكة بريطانيا ليلا ولكنني لا أعرف ماذا يفعل نهارا!! وتذكرت تلك المقولة لأن معظم أعباء القصر الملكي البريطاني تترتب عن الإنفاق على عدد من القصور يعيش فيها بعض أقاربها وحاشيتها على حساب دافع الضرائب البريطاني، ورغم ان ملكة بريطانيا لا \"تحكم\" لأنها لا تملك صلاحيات سياسية او تنفيذية إلا أن غالبية البريطانيين يحبونها باعتبارها رمزا تاريخيا، وهناك زعماء غربيون قد يجد الكثيرون العديد من الأسباب لكرههم، ولكن اليزابيث هذه ست محترمة، و\"خشمها عندها\" كما نقول في السودان عن الشخص الذي يمسك لسانه ويفرمله ولا يثرثر ويحشر أنفه في ما يعنيه ولا يعنيه، (والخشم عندنا في السودان وفي جنوب مصر هو الفم). ملكة بريطانيا فعلا غلبانة فثروتها لا تزيد على 700 مليون دولار (يا عيني)، ويقع قصرها في بالمورال على أرض مساحتها 50 ألف إيكر، والإيكر يساوي نحو 4000 متر مربع، وتتضمن نفقاتها صيانة نحو ستة قصور ونحو عشرين عقارا آخرين وإطعام وإيواء وكسوة العشرات في الأحفاد وابناء وبنات العم والخال الى جانب أولادها الثلاثة وبنتها الوحيدة آن، وعشرات الأحصنة، وقطعان من الكلاب معظمها من فصيلة الكورقي، وقد رأفت وزارة الرياضية والثقافة بحالها البائس ومنحتها في عام 2004 علاوة قدرها عشرين مليون دولار. تذكرت أمر كل ذلك بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية في السودان، وكيف أنني أضعت فرصة الفوز بمنصب رفيع لأنني نسيت العمل بمقتضى المثل الإنجليزي: إذا أردت الفوز بجائزة اليانصيب عليك بشراء تذكرة To Win the lottery, you have to buy a ticket أي أنني نسيت تقديم أوراق ترشيحي، وكان النسيان متعمدا لأنني أدركت ان الترشيح يعني إنفاق بعض المال لطباعة صوري بأحجام وأعداد كبيرة، ولإعداد فيديو كليبات أتحدث فيها عن محاسني (لأنني لست واثقا من ان الآخرين سيذكرون محاسني بالتفصيل بعد مماتي).. ولبعض الوقت سألت لنفسي: ما حاجتك للصور يا ابا الجعافر وعندك - ما شاء الله - آلاف الصور في مواقع الانترنت وصفحات الجرائد؟ تذكرت ان تلك الصور مفبركة في معظمها وان الناخبين عندما يرونني \"\"على الطبيعة\"\" على التلفزيون سيقولون: منو هذا؟ جعفر بن عنتر؟ يا له من كذاب ونصاب.. وبصراحة فإنني أعتقد انني خدمت عائلتي ووطني بما فيه الكفاية، ومن حقي ان أصبح \"رئيسا\" لأجعل المنصب وراثيا ترسيخا للتقاليد العربية الديمقراطية الجمهورية الشعبية.. أصبح جعفر الأول ويتداول اللقب عيالي من بعدي ولضمان ذلك أقوم بحل وخصخصة الجيش فأعطي الحدود الشرقية للأمريكان والغربية لطالبان والشمالية للطليان والجنوبية للبشتون الأفغان. لو فزت، كنت سأعطي العيش للخبازين بشرط ألا يأكلوا فسفوسة منه.. وأوكل الأمور الى رئيس وزراء مصحصح واستمتع بالنوم المتأخر والاستيقاظ لتناول وجبة الغداء على السرير.. وأحقق أهم حلم في حياتي: لا أعرف حجم راتبي وأظل أطلع وأنزل وجيبي ليس فيه مليم واحد.. والأهم من كل ذلك حرمان أم العيال من التسوق: زوجة الرئيس \"تفاصل\" في المتاجر كي تحصل على تخفيضات في الأسعار؟ ما يصير! كان للرئيس السوداني الراحل جعفر نميري وزير للشؤون \"الخاصة\".. وجعفر عباس ليس أقل من جعفر نميري!! أخبار الخليج - زاوية غائمة [email protected]