كشفت المعلومات الأولية التي رشحت من مفوضية الانتخابات السودانية أن مرشح حزب المؤتمر الوطني الحاكم للرئاسة عمر البشير سيحصل على نحو يفوق التسعون في المئة من أصوات الناخبين، وسيستحوذ الحزب الحاكم على أكثر من تسعون في المئة من مقاعد البرلمان المخصصة لشمال البلاد الى جانب حكام الولايات الشمالية. لكن حزبي المعارضة اللذين شاركا في المنافسة رفضا النتيجة وشككا في نزاهة العملية برمتها معللين أن العملية شابها تزوير واسع .. لكن هذه الإدعاءات تعتبر بهار الديمقراطية إذ أن الأحزاب الخاسرة دائما ما تتعلل بالتزوير لتبرير خسارتها ، من جانب آخر رأى المراقبون الدوليون أن الانتخابات لا ترقى إلى المعايير الدولية، غير إنهم رجحوا أن تلقى اعترافاً دولياً. لكن معيار كلمة ( المعايير الدولية ) كلمة مطاطة وليس لها ضابط محدد في ظل الظروف القياسية الأوربية التي تتمتع بوجود كم هائل من المعلومات الشخصية لكل فرد في المجتمع .. فإن كان المقصود بهذه المعيارية مضاهاة الموقف مع المجتمعات الأوربية فإن هذه المقارنة تصبح مقارنة فارغة من المحتوى بإعتبار أن أفريقيا كلها لن تبلغ هذه المعيارية ومعها بعض الدول الأوربية في الشرق . وبدت مظاهر الفرح بين أعضاء حزب المؤتمر الوطني في الابتهاج العارم بالفوز الكاسح الذي تحقق داخل السودان وخارجة حيث جاءات النتائج في الدول التي أجري فيها على نحو لم يكن متوقعا .. وفي الولايات المختلفة داخل السودان . وأوضح الترابي في مؤتمر صحافي أمس أن البشير ومرشحي حزبه لحكام الولايات يحصلون على نسب عالية وغير مسبوقة وفي دوائر تعتبر مغلقة على أجزاب تقليدية مما يؤكد أن هناك تزويرا كبيرا قد مورس في العملية برمتها . وتابع الترابي الذي كان عرابا للنظام الحاكم بانه ( تبين لنا أن الاقتراع انتهى إلى زور مشين وزيف فاضح ... وسنرفع الأمر إلى القضاء رغم إدراكنا أن محاسبة النظام بالقانون مسألة غير منطقية ) . ومن جانب آخر ذكرت الأنباء أن زعيم الحزب الاتحادي الديموقراطي محمد عثمان الميرغني طلب من ممثلي حزبه في مراكز الاقتراع عدم توقيع نتائج الانتخابات، ويتجه إلى إصدار بيان في وقت لاحق لرفض النتائج بعدما لم يحصل حزبه حتى الآن على أي مقعد نيابي على الرغم من توقعات بإمكانية حصوله على عشرات المقاعد خصوصاً انه يتمتع بنفوذ واسع في شرق البلاد وشمالها. .. لكن السيد محمد عثمان نسي أن المعادلة السياسية قد تغيرت ولم تعد المناطق مغلقة مثلما كان بالأمس ولم تعد المواقف القديمة صالحة لليوم . بينما ذكرت رئيسة بعثة المراقبين الأوروبيين فيرونيك دي كيسير في مؤتمر صحافي لها في الخرطوم إن ( هذه الانتخابات لم ترق إلى مستوى المعايير الدولية ) واعتبرت دي كيسير أن الانتخابات ( واجهت صعوبات ولم تكن مطابقة لها كلها وانما لبعض منها لكن الخطوة التي أنجزت هي خطوة حاسمة ومهمة في مسيرة البلاد . وأضافت: ( انها أجواء فريدة من نوعها، إنها خطوة كبيرة تمهد لأجواء ديموقراطية في السودان ) بل تعتبر خطوة مهمة ستقود حتما الى الإعتراف بها وأوضحت أن نسبة المشاركة في الانتخابات التي استمرت من الأحد الى الخميس كانت مرتفعة جداً، وبلغت أكثر من 60 في المئة، لكن شابتها بعض العيوب ، مشيرة إلى تسجيل تجاوزات أكبر في الجنوب منها في الشمال . وتحدثت رئيسة البعثة الأوروبية بصفة خاصة عن ( ضعف التنظيم ) في الجنوب، مشيرة إلى تأخر العديد من مكاتب الاقتراع في فتح أبوابها وتأخر وصول مواد الاقتراع أو وصولها الى مراكز خاطئة أو حتى نقصها، والى مشكلات أمنية. وقالت إن مراقبينا سجلوا بالجنوب ملاحظات تتعلق بالحبر وبأختام صناديق الاقتراع وعملية التحقق من هويات الناخبين، وكذلك تقارير عن قيام أطفال قاصرين بالإدلاء بأصواتهم. وعبّر الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر عن رأي مماثل لرأي المفوضية الأوروبية بقوله: ( من الواضح أن هذه الانتخابات لم ترقى الى مستوى المعايير الدولية ) . لكنه قال مع ذلك في مؤتمر صحافي منفصل: ( أعتقد أن القسم الأكبر من المجتمع الدولي ممثلاً بحكومات الدول الأعضاء، سيقبل النتائج بمعيار أنها كانت معقدة وفي ظروف غير عادية ) ولكن قرار قبول أو عدم قبول نتائج الانتخابات يعود إلى كل بلد على حدة . واعتبرت المؤسسة أن الانتخابات كان ينقصها الضمانات والشفافية الضرورية للتحقق من (تنفيذ) الخطوات الرئيسية وإرساء شعور بالأمان والثقة في العملية. وقالت مؤسسة كارتر كذلك إن الانتخابات في جنوب السودان شهدت ارتفاعاً في الضغوط التي مورست على الناخبين والتهديد باستخدام القوة على نحو كبير أكثر مه في الشمال . وأضافت المؤسسة : كانت هناك حوادث عدة قام خلالها الجيش الشعبي لتحرير السودان (القوة الرئيسية المسيطرة على الأمن في الجنوب) بإخافة الناخبين حيث كان (الجنود) على مسافة قريبة جداً من محطات الاقتراع. وسجل في الجنوب تدخل السلطات الواسع في حملات مرشحي المعارضة . وبلغ عدد مراقبي البعثة الأوروبية 130 مراقباً انتشروا في عموم السودان ما عدا في إقليم دارفور المضطرب لأسباب أمنية. وتعتبر البعثة الأوربية أكبر بعثة دولية مع مؤسسة كارتر التي تنشر قرابة سبعين مراقباً ولكنها تابعت العملية منذ بدء تسجيل الناخبين في تشرين الثاني (نوفمبر) . وفي أديس أبابا عبّر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ عن ارتياحه لإجراء عملية الانتخابات العامة بصورة ( سلمية ) في السودان على الرغم من المشاكل الإدارية واللوجستية التي شابتها ) . وهنّأ بينغ في بيان ( شعب السودان والأحزاب السياسية السودانية لإجراء الانتخابات التعددية بصورة سلمية ) . لكن الملاحظة الأبرز في هذه المواقف المختلفة أن هذه الإنتخابات ستجد حظها من الإعتراف الدولي بشهادة هذه المنظمات الدولية التي راقبتها والتي دونت ملاحظاتها في الجوانب الإجرائية في غالبها ولم تتعرض للجوانب الجوهرية في العملية . وتبقى الملاحظة الكبرى في فوز الجزب الحاكم بمعظم المقاعة خارج السودان وفي دول كان السياسيون يظنون أنها عواصم تكتظ بالمعارضة وكانت تعول عيها كثيرا رغم ضعف التسجيل فيها لكن اللافت أن رموزا بارزة لم تجد سندا لها في هذه العواصم . صلاح محمد عبدالدائم شكوكو [email protected]