لا أدري إلى متى يظل (كارتيل) القطن يملأ الدنيا صياحاً بأهمية القطن كمحصول نقدي، لا بل كمحصول (تكية) تعتمد عليه قطاعات كبيرة من السكان، فهذا الأمر ليس فيه خلاف، العبد لله شخصياً لم يسمع ولم يقرأ في حياته لشخص يقلل من أهمية القطن، ولكن كل الإنتقادات التي تُوجّه للقطن كانت مُنصبة على علاقات الإنتاج القائمة على القطن، على المظالم التي يعانيها زارع القطن في السودان، على الفساد الذي عشعش حول هذا المحصول، إن فك الاشتباك في هذا الأمر مهم جداً لأنّه قبل عدة سنوات اشتكى نفر من كارتيل القطن صحفياً كان مهتماً بأمر القطن لجهاز الأمن، بدعوى أن الإساءة لمحصول السودان الأول سوف يخرجه من السوق، لأنّ العدو المتربص بالسودان سوف يستفيد من هذا النوع في الكتابة، فرد ذلك الصحفي بالقول إنّه يتحدى أن يكون يوماً قد وصف قطن السودان بالمرض أو شكك في خامته أو قال إنه مصاب بالعسلة أو الكرمشة، وقال إنه يهاجم السياسَات التي ينتج بها القطن لأنها أدت الى تدني الإنتاجية وأخرجت السودان من المنافسة..! ليس هناك أدل من جور كارتيل القطن على زارعيه، من أن مزارعي الجزيرة في أول فرصة واتتهم للتحرر منه تركوا زراعته الى غير رجعة فتقلصت المساحات من أربعمائة ألف فدان الى بضع عشرات من الألوف بنسبة تكاد تقارب التسعين في المائة، وهذا الموسم 2010م سيكون الأقل زراعةً للقطن في تاريخ المشروع، لأنّ النهضة الزراعية مشكورة (غير مأجورة) قد أخرجته من القسم الشمالي وهو أكثر أقسام مشروع الجزيرة زراعةً للقطن كماً وكيفاً، فمن حيث الكيف هو الذي ينتج القطن طويل التيلة، فالنهضة في موسم 2009م أغرت المزارعين بزراعة القطن بحجة أنها أحضرت لهم بذوراً محسنة وسوف تطبق تقنيات حديثة وستكون النتيجة أن الإنتاجية سوف تصل الى (كذا) قنطار للفدان (رقم خرافي)، فكانت النتيجة أن كان متوسط الإنتاجية ثلاثة قناطير للفدان (أبو الزفت) وتكلفة ما أنزل بها من سلطان ومازالت (خشوم) المزارعين (ملح ملح) لا تعويض ولا كلمة مواساة، نفس الشئ فعلته ذات النهضة في محصول القمح في القسم الشمالي الغربي و(برضو تقول لي نهضة؟)..! أيها السادة انّ القطن محصول نقدي ممتاز، وانّ السودان جد مؤهل لإنتاجه في الكثير من مناطقه، وانّ السودان له تاريخ وتجارب جيدة في إنتاجه، وقد كان أول الدنيا في إنتاجه ولمدة تفوق النصف قرن من الزمان، وانّ الدولة السودانية كانت تعتمد عليه في خزينتها، ولكن المواطن السوداني الذي كان يقوم بزراعته لم يجنِ غير البلهارسيا وكل أمراض المناطق الحارة، لذلك يكون من الطبيعي أن تنهار زراعته في السودان وتملأ جماعة المصلحة الدنيا صياحاً لا تترك صحفاً ولا إذاعة ولا تلفازاً وهي تتباكى على القطن والأيدي العاملة التي كان يشغلها وأولية السودان التي ضاعت وهي في الواقع تتباكى على مصالحها الخاصة، فالقطن أيها السادة محصول نقدي ولكنه ليس محصولاً مقدساً يتقرّب به الى الله، وفي علم الاقتصاد الحساب ولد.. غيروا علاقات الإنتاج ولتدخل شركات حقيقية في شراكة مع المزارعين لإنتاجه وليس شركات سلعلع، وأعطوا زارع القطن خمسين في المائة فقط من قيمة مباعه وسوف ترون كيف أنّ المزارع سوف يزرع القطن حتى داخل بيته ناهيك عن حواشته..! هل تعلم عزيزي القارئ أنه في أحسن الأحوال كان يعود على المزارع (12%) (إثني عشر في المائة) من القيمة التي بيع بها القطن!! ومثل مزارع القطن راعي الضأن المعد للتصدير وطاق الصمغ العربي.. وتبكي يا بلدي الحبيب من جماعات المصلحة..! صحيفة التيار - حاطب ليل- 21/7/2010 [email protected]