كان بالسودان عدد كبير من المصريين يعملون في مدارسه الثانوية، خاصة في مواد العلوم والرياضيات، وبعد جعل التربية الرياضية مادة الزامية بتلك المدارس، تم استجلاب مدربين عديدين من مصر، ولم تكن هناك مدرسة ثانوية سودانية تخلو من بريطاني يدرس اللغة الإنجليزية، وكانت هذه الفئة من البريطانيين تعرف ب \"في. إس. أو VSO\" وتعني \"الطلاب المتطوعون في الخارج\" وكانوا جميعا تقريبا من خريجي جامعتي أوكسفورد وكيمبردج اللتين تلزمان الخريج بالعمل في أي مكان في العالم لسنة واحدة قبل الحصول على الدرجة الجامعية، ولم يكونوا يتقاضون رواتب، بل توفر لهم وزارة التربية المسكن وتعطيهم مبلغا يكفي فقط لإعاشتهم، ورغم أنهم كانوا الأقل أجرا بين مدرسي المرحلة الثانوية إلا أنهم كانوا مخلصين في عملهم، وقد أدى وجودهم إلى تحسن كبير في مستوى استيعاب الطلاب للغة الإنجليزية، على أيامنا كطلاب في المرحلة الثانوية كان عدد المدرسين البريطانيين كبيرا وكان بعضهم يدرس مواد غير الإنجليزية، وكان معظم المدرسين المعارين من مصر من الأقباط، ففي ذلك الزمان لم تكن الدول الخليجية تتقبل فكرة ان يتولى مسيحي تدريس عيالهم \"حتى الجمباز\".. ولعل أشهر مدرس رياضيات مصري في تاريخ السودان هو قطر حنفي، وهو قبطي مصري درسنا الرياضيات في مدرسة وادي سيدنا الثانوية على مدى اربع سنوات ومن باب الاعتراف بجهوده صار \"الأجنبي\" الوحيد الذي يشغل منصبا إداريا رفيعا في وزارة التربية كما تم استثناؤه من قانون التقاعد فظل يعمل بالوزارة حتى تجاوز ال.75 كان معنا في مدرسة سنار الثانوية التي بدأت فيها حياتي العملية كمدرس للغة الإنجليزية، 3 مصريين، اثنان منهما يدرسان العلوم الطبيعية والثالث م. ط. مدرب التربية الرياضية وكما قلت في مقالي السابق فقد قررت ترك سكن المدرسة المجاني والانتقال الى مسكن بعيد عن المدرسة التي كانت موبوءة ومحتلة بالخفافيش التي أخاف منها خوفا مَرَضيا، وهكذا انتقلت الى البيت الذي كان المصريون الثلاثة يستأجرونه في أحد أحياء المدينة بعيدا عن المدرسة، وكان مدرس الكيمياء رفعت ماهرا في الطبخ، ولكنني توقفت عن مشاركتهم الطعام بعد أن صار رفعت يطبخ اللسان والمخ البقري يوميا، والسر في ذلك أنهم اكتشفوا ان اللسان والمخ لا زبائن لهما في مدينة سنار، وبالتالي كان الجزارون يعطونهم كميات ضخمة منهما بلا مقابل، فنشفوا ريقي بهما.. ليس عندي مانع في أكل اللسان، ولكن المخ؟ إخخخ. م ط مدرس التربية الرياضية قضى 4 سنوات في السودان وبعدها بنحو عشر سنوات صرت أجد صورته بلحية وقورة ومسبحة في صحيفة الأهرام المصرية التي كانت الى جانب مجلة روز اليوسف توزع اكثر من 50 ألف نسخة في الخرطوم وحدها.. والسر في ذلك أنه كان هاربا من القانون وكانت صوره كلها مصحوبة بعبارة \"الملياردير الهارب م ط\"، وما حدث هو أنه عمل مدرسا للرياضة في السعودية حينا من الدهر، وصار تاجر عملة يتسلم من المصريين العاملين في السعودية \"ريالات\" ويعطي أهلهم عبر مندوب له جنيهات مصرية واجتمعت له بذلك ثروة بسيطة ثم جاءت هوجة \"توظيف الأموال\" في مصر بمبادرات من نفر معظمهم من البلطجية اطلقوا اللحى وصاروا يعطون المستثمرين أرباحا فلكية ولكن بنظام \"ضع طاقية هذا على رأس هذا\"،، يعني شيل فلوس زيد واعط جزءا منها لعبيد كأرباح ولما تضاءل عدد المستثمرين الجدد لم تعد هناك سيولة تسمح لهم بالاستمرار في استعباط الناس فهربوا الى اوربا ومعهم المليارات وكان على رأسهم م ط. أخبار الخليج - زاوية غائمة [email protected]