لا أدري لِمَ تختلجني دائماً أحاسيس مبهمة مطالع المواسم.. لا أعرف إن كانت هذه الأحاسيس سوية أم أنها تراكمات لانفعالات قديمة ارتبطت بهذه الفترات الزمنية.. فإن أقبل الشتاء زاوجت نفسي بين الحزن والغموض عند المغارب، وانتابني إحساس بالوحشة عند لحظات مغيب الشمس.. وإن أقبل الخريف وصبت رشاشات المطر واحتشدت بزخات الندى المساحات، وضجت سحائب السموات وتمخضت عنها قطرات المطر.. رغم الفرح اعتصرت في دواخلي خوفاً دفيناً من أين لي بذلك التوجس الكبير من نعمة حبا الله بها الناس للخير والفرح.. ما زلت حتى الآن لا أعرف جمال الخريف إلا من خلال بعض الحزن.. وبعيداً عن خوفي وتوجسي.. فإن موسم الخريف عندنا محل للوحل والغرق والطين.. وما زالت أحياؤنا الشعبية تصاب في المقاتل وتشل حركتها برك المياه الخريفية وتحاصر السكان بجيوش البعوض والملاريا.. ومازالت المصارف الخريفية تفتح وتردم كل عام ثم تعاد الكرة في تسلسل أظنه سيكون مدى حياة هذه الأحياء العريقة إلى أن تكون هناك رؤية وهدف وإستراتيجية جديدة لمقابلة آثار الخريف وإفرازات اكتناز المياه لحصاد الطحالب واليرقات وتفجر الأوبئة.. ومسلسل الخريف في بلادنا.. بل قل في منطقتنا الشعبية، هو «واجب المشاهدة» كأنه وِرد دوري أو راتب واجب التلاوة.. ربما عادت إلى نفسي الثقة في أن الخوف خوف جماعي مبعثه الآثار التي يتركها الخريف «المحبوب» الذي كنا نفرح لمقدمه أطفالاً نلعب «يا مطيرة صبي لينا في عينينا».. ولكنا كبرنا وتفتحت هذه العيون على دمار مصاحب للخريف وإفرازات وآثار سالبة رغم أن هناك حراكاً عمرانياً وبناءً بمواد ثابتة وتحضر كبير، إلا أن المياه تبقى راكدة ومخصرة ومسودة تخالطها «العيفونة» المميزة، فلا هي رائحة ولا لون ولا طعم.. إنها رائحة «الجبانة الهايصة» إن عرف لها رائحة.. أليست هذه المناظر والروائح باعثة على الخوف والقلق.. فيا ربي ارحمنا بأمطار غزيرة للخير والزرع والضرع.. وخفف عنا تقصير المقصرين في درء آثارها.. «اللهم آمين».. آخر الكلام: الخريف قادم إن شاء الله، فليكن سبباً للسعية والخير والزرع والدعاء.. ونترك وزر التقصير للمحليات والشركات.. فهل خرج بعضها للربا والتلاف.. وأمطار خير وبركة.. مع محبتي للجميع. سياج - آخر لحظة [email protected]