حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ماذا قالت قيادة "الفرقة ال3 مشاة" – شندي بعد حادثة المسيرات؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكرون السودانيون على طاولة التشريح - الصادق المهدي
نشر في النيلين يوم 01 - 08 - 2011


المفكرون السودانيون على طاولة التشريح
السيد الصادق المهدي
2-3
لم يعد مجديا أن يتماهي السودانيون بعضهم ببعض دون نقد في القضايا الفكرية والسياسية الوطنية – والتماهي يعني التقمص، ولقد مضى على السودان خمسة وخمسين عاما منذ الإستقلال- وشؤونه تؤول بشكل ثابت ودائم نحو الإنحطاط. غير أنه لم يعد صعبا في عصر المعلوماتية كشف المواقف الشخصية الزائفة من المواقف الأصيلة، فالإنسان ومشيئته يعبران عن موقف وجودي وقرار، إما صادقا مع نفسه وربه ورسوله والآخرين وإما كاذبا، والكذب نوعان، هنالك الكذب القاموسي – وهو المفردة التي نجدها عادة في القاموس للفظة كذب يكذب، وهنالك الكذب المخفي الدقيق الذي يصعب ملاحظته في الوهلة الأولى – ويصعب تسميته إن لم نقل هو درجة من المكر المصحوب النفاق، ويحتاج إلى التدقيق والتأمل والتحليل لكشف أبعاده، وهذا النوع من الكذب الدفين هو الأخطر. ولقد بينا في المقالة الأولى طبيعة مثقف السلطة الذي يخدع نفسه والآخرين – فهو كاذب بشكل ما أو منافق بدرجة ما. وفي هذه المقالة التي بين يديك لن نتهيب أي إسم مهما كان، وإننا بذلك لا نقصد التجريح مطلقا. سيكون موضوعنا هو السيد الصادق المهدي على حلقتين. ونبدأ بالسؤال:
هل الصادق المهدي من المفكرين؟ الجواب نعم ولا. ولا شك أنه يسعى لكي يصنف نفسه كمفكر، ولكن من أية نوع من المفكرين هو؟ هل هو من المفكرين المنظرين المتخارجين عن دائرة السلطة، أم هو مفكر دولة؟ السيد الصادق المهدي ضائع ما بين هاتين الفئتين، فلا هو مفكر حر بالمعنى المتعارف عليه ولا هو مفكر دولة. وفي تقديري لا تمثل قيادة حزب الأمة في أي وقت ما قيادة حزب سياسي حقيقي، بل هي لوبي إقتصادي من الطراز الأول. كل ما طرحه السيد الصادق المهدي من رؤى سياسية في تاريخه السياسي هي تماهيات مستلفة من أدبيات وشعارات الجبهة الديموقرطية التبسيطية التي بناءها الحزب الشيوعي في الماضي لا غير.
فالصادق المهدي وقادة أركان حزبه جلسوا على سنام السلطة عدة مرات، ولم يطرحوا أي شيء كتصور فكري سياسي لبناء الدولة state paradigm أو لإنهاض الشعب السوداني في أية موضوع، خاصة من الناحية التطبيقية وما يتعلق ببناء دولة المواطنة الحديثة – ما أن تجلس قيادة حزب الأمة على كراسي السلطة حتى تنغمس في صراع مع غرمائها الإتحاديين ويتقاتلون معا من منهما يحتكر ضرع البقرة دون الآخر!! وهكذا نمى في رحمهم وتحت غبار معاركهم الأنانية ذلك الجنين الصغير الذي يسمى بالإسلاميين – إلى أن أوصلنا جميعهم إلى ما لا دولة الشعب non-nation-state. ولو تم بناء دولة مدنية بالمفهوم الحقيقي لما كنا بعد خمسة وخمسين سنة نناضل من أجل الديموقراطية – ويعتبر نضالا سالبا يدخل تحت بند الطاقة المهدورة!! من يظن اليوم أن نظام الإنقاذ الحالي هو دولة فهو حسن النية – حتى أنا شخصيا خدعت فيه من البعد، فداخل هذا النظام القائم لوبي أو لوبيات إقتصادية تتدثر بثوب الدولة. إذن أحد كوارث السودان في الماضي هو الصادق المهدي بعينه، فهو لا يمتلك مؤهلات فكرية لرجل دولة ولم يترك السيد الصادق المهدي حزبه كأن ينموا نموا طبيعيا حتى يصبح حزبا سياسيا بالمعني الحقيقي للأحزاب – عقلية الصادق المهدي هي أقرب لعقلية رئيس اللوبي الاقتصادي..الذي أجاد علم المحاسبة accountancy و يسيطر على كل شيء في شركته أي حزبه!!
عندما يتأمل المرء السيرة الذاتية الدراسية للسيد الصادق المهدي على أنه ختم دراسته بعلوم الإقتصاد والفلسفة بجامعة أكسفورد، وتحصل منها على درجة الماجستير، ويقارن محصلة إنجازاته الضعيفة على كل المستويات في فترات حكمه الحكومة، يجزم المرء إستنتاجا أنه لم يدرس إقتصاد بجامعة أكسفورد الشهيرة – السيد الصادق المهدي لا يتحدث في الإقتصاد مطلقا!! لو صدقنا هذا الإدعاء الذي اطلقه الصادق المهدي منذ منتصف الخمسينيات على أنه رجل أكسفورد، علينا أن نعتقد أنه درس وجلس على ذات الكرسي الذي درس وجلس عليه بيل كلنتون – الرئيس الأمريكي السابق!! والأخير هو الذي قاد الإقتصاد الأمريكي المعقد نحو الإزدهار في فترة حكمه. والجامعات البريطانية مثلها مثل الأمريكية تنشيء الجامعة لخريجيها تجمعا طلابيا يسمىِ alumni وهي كلمة لاتينية قحة وتعريفها:
A male graduate or former student of a school, college, or university.
ومع كل حب السيد الصادق المهدي وشغفه بالمناصب الرفيعة في المنظومات السودانية والإقليمة والدولية لكنه لا يتحدث أبدا عن جامعة أكسفورد ولا عن تجمع خريجي أكسفورد oxford alumni الذي من المفترض أن يكون عضوا فاعلا فيه، وإليك نبذة عنه:
عمل موظفا بوزارة المالية في 1957م. وفي نوفمبر 1958 استقال عن الوظيفة لأن انقلاب 17 نوفمبر كان بداية لعهد يرفضه.
o عمل بعد ذلك مديرا للقسم الزراعي بدائرة المهدي، وعضوا بمجلس الإدارة.
o كان رئيسا لاتحاد منتجي القطن بالسودان.
انخرط في صفوف المعارضة وبعد ذلك دخل المعترك السياسي الذي جعل همه لخدمة قضية الديمقراطية والتنمية والتأصيل الإسلامي في السودان.
المناصب القيادية التي تقلدها:
o رئيس الجبهة القومية المتحدة في الفترة من 1961- 1964م.
o انتخب رئيسا لحزب الأمة نوفمبر 1964م.
o انتخب رئيسا للوزراء السودان في الفترة من 25 يوليو 1966- مايو 1967م.
o رئيس الجبهة الوطنية في الفترة من 1972- 1977م
o انتخب رئيسا لحزب الأمة القومي مارس 1986م
o انتخب رئيسا لوزراء السودان في الفترة من أبريل 1986- وحتى انقلاب 30 يونيو 1989م.
المناصب التي يتقلدها حاليا:
o رئيس مجلس إدارة شركة الصديقية.
o رئيس حزب الأمة القومي المنتخب في فبراير 2009م.
o إمام الأنصار المنتخب في ديسمبر 2002م.
o عضو مؤسس ورئيس المنتدى العالمي للوسطية في ديسمبر 2007م.
o عضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد – يضم سبعين رئيس دولة سابق تحت مسمى الديموقراطية الدولية.
o رئيس مجلس الحكماء العربي للحلف العربي لفض المنازعات.
الجمعيات والروابط: عديدة ومنها:
o عضو في المجلس العربي للمياه وعضو بمجلس أمنائه.
o عضو بالمجموعة الاستشارية العليا الخاصة بمجموعة العمل الدولية للدبلوماسية الوقائية.
o عضو في المؤتمر القومي الإسلامي، بيروت.
o عضو سابق في المجلس الإسلامي الأوروبي، لندن.
o عضو مجلس أمناء مؤسسة آل البيت.
o عضو سابق في جماعة الفكر والثقافة الإسلامية، الخرطوم.
o عضو مؤسس بشبكة الديمقراطيين العرب.
o عضو مؤسسة ياسر عرفات.
o عضو مجلس أمناء المؤسسة العربية للديمقراطية.
ولا نجد لجامعة أكسفورد أية ذكر!! حتى أننا لا نجد ورقة لمشروع تخرج السيد الصادق في علوم الإقتصاد والفلسفة من جامعة أكسفورد وإلا سارع لطبعها في كتاب – ويقول أيضا أنه تحصل على ماجستير في الإقتصاد من أكسفورد، لماذا لا يطبعه في كتاب وهو الشغوف بتشييد مجده الفكري والسياسي؟ عموما المجتمع السوداني في الخمسينيات كان مجتمعا صغيرا وبسيطا يتقبل كل شيء دون تمحيص، أضف إلى ذلك كانت الحكومة وقتها حكومة حزب الأمة - برئاسة عبد الله خليل، فتم إستيعاب السيد الصادق المهدي موظفا بوزارة المالية. وبما أن السيد الصادق المهدي عمل بوزارة المالية، لابد أن يكون ملف تعيينه موجودا وفيه كل شهاداته، وإن أختفى هذا الملف فنحن إذن لم نظلم السيد الصادق المهدي وحتى إشعار آخر.
الهدف من تشريح شخصية السيد الصادق المهدي هو أن نفهم هذا الرجل السياسي موضوعيا على حقيقته بدون رتوش، وعليه يجب ألا تتوقع الأجيال الحديثة منه سوى ما في قصعته من إمكانيات فكرية وسياسية محدودة. لو درس الصادق المهدي حقا علوم الاقتصاد والفلسفة بجامعة أكسفورد وتحصل على ماجستير منها لما كان حال السودان هو حاله اليوم، ولما كان حال حزب الأمة هو حاله اليوم. ودعنا نترك جانبا ذلك التحليل اليساري في الصادق المهدي ولم يصب الهدف بالدقة الكافية. يقول التحليل فيما معناه: ولدت رأسمالية حزب الأمة المتمثلة في الصعود السياسي للسيد الصادق المهدي في الستينيات كحتمية من رحم إقطاعية الأرض الزراعية، ولكن ليس من مصلحة "الأكسفوردي" الصادق المهدي بوعيه أو غيره كأن يمحي االمكون الإقطاعي "الأنصار" عبر نقلة مقصودة نحو الحداثة والتحديث الكامل وإلا فقد حزبه السياسي القوة الميكانيكية في الإنتخابات الليبرالية!! رغم صحة هذا التحليل نسبيا، الذي يؤكد أن الإنسان لا يميل بطبعه نحو نفي ذاته self negationأو وظيفته، ولكن غاب عن الجميع وقتها السؤال التالي: هل السيد الصادق المهدي فعلا من خريجي جامعة أكسفورد؟ وهذا السؤال مشروع، إذ غالبا ما تعمل ذات المتعلم المسؤول بمقتضى وعيها وعلمها حتى ولو أدى بها إلى السقوط في التناقض مع مصلحتها - وحتى ولو على حساب فناء المكون الإقطاعي لأنه بديهيا لا يمكن إفناء هذا المكون الإقطاعي الذي يمثله حزب الأمة في يوم أو في شهر!! ولكن الجميع لم ينتبه وربما إلى اليوم...أن السيد الصادق المهدي لا يمتلك العلم الكافي لإدارة حزب سياسي ناهيك عن إدارة دولة بحجم السودان!!
لو كان السيد الصاد المهدي متعلما حقا لكان بإمكانه أن يتسيد حزبه "أي الأنصار" باسلوب المؤامة من مرحلة تحديثية لآخرى، فالتحديث لا يعني فقدانه هذه السيادة على الأنصار المواليين ولا يعني فقدان البرستيج الذي دوما يرغبه الصادق المهدي – على عكس منطوق التحليل اليساري، لأن كل مرحلة تاريخية للتطور لها مشاكلها النوعية – فمثلا ثورة تقنية المعلومات لم تلغي كل البنى التقليدية من مصانع وعمالة فنية ولم تشطبها في بداية تبلورها كأن تنهار معها كما تخيل بعض المحللين المجتمعات الرأسمالية – لأنه كان متوقعا أن ترتفع مع هذه الثورة التقنية معدلات البطالة بشكل عالي، وفعلا هذا حدث الخ ولكن ثورة تقنية المعلومات أمتصت البنى التقليدية بأسلوب الهضم وإعادة التأهيل المتدرج، وصاحب نمو التقنيات العالية مشاكل نوعية جديدة فتحت الأبواب لوظائف تخصصية جديدة لصالح قوى العمل في المجتمع ودورة الإقتصاد، وهكذا عبر المؤامة والمشاكل النوعية المتجددة المتولدة من طفرة التجديد ومن طفرة التقنيات أمتد عمر الرأسمالية الغربية بينما أنهار الإتحاد السوفيتي المتحجر – وهذا المثال الأخير ينطبق على حزب الأمة في الأمس واليوم المصاب بمرض التحجر إلى حد التيبس!!
أثناء كتابتي لهذه المقالة قرأت ما سطره الأستاذ إبراهيم منعم منصور – وموقف حزب الأمة والسيد الصادق المهدي من المصالحة الوطنية الشاملة التي تقدم بها كل من النميري والشيخ زايد آل نهيان عام 1999م – وشرح صاحب المقالة كيف أن السيد الصادق المهدي نسب لنفسه محتوى نقاط مذكرته وجلس بها الصادق المهدي لوحده في جيبوتي مع عمر البشير لكي يصطاد الفيل فأصطاد فأرة - كما قال إبراهيم منعم منصور!! ولقد أثبتت مقالته نقاط حيوية يجب ألا تفوت على السودانيين، مثلا أن من وقف في وجه المصالحة السياسية الشاملة 1999م هما علي عثمان وعلي الحاج، بينما تم تسريب دعاية تكتيكية مستمرة في العشرة السنوات التالية فحواها وقوف علي عثمان محمد طه مع تقوية أحزاب المعارضة والإنفتاح عليها في صراعه مع د. نافع علي نافع بينما الأخير يرغب في إضعافها!! هذه دعاية للتشويش لا غير - أرأيتم كيف يلعبون بعقولنا؟ وكذلك أثبتت المقالة أن موقف الشيخ حسن عبد الله الترابي من إعادة إرساء وتوطين الحريات عام 1999م هو موقف صدوق!! ولعلنا نشير هنا بعجالة أن الشيخ الترابي حمل ظلما كل أخطاء الجميع - أخطاء تلاميذه وأعدائه اللاحقين..فكيف يبرر على الحاج اليوم موقفه السابق من الليبرالية الديموقراطية الحزبية إن لم يكن رفضه تفعيلا وإنحيازا لتناقضاته الذاتية على حساب التناقضات القومية؟ وهنا نضع شرطا آخر من شروط المثقف المفكر الحقيقي وهو أن يدرك المثقف الحقيقي تناقضاته الذاتية بكفاءة ولا يسقطها على الواقع السياسي ويلبس على الناس وكأنها تناقضات وطنية وقومية!!
هذا الشرط أعلاه في المثقف أو المفكر الحقيقي لم يستوفه علي عثمان محمد طه وعلي الحاج، لقد غلبا الإنتصار لتناقضاتهما الذاتية وحلها على حساب المصلحة الوطنية والقومية، ولكن كما سنرى في الفقرات التالية أن السيد الصادق المهدي حصل على الرقم القياسي في هذا المضمار – وجدير بأن يسجل في كتاب جينيس، فتاريخه السياسي بالكامل لصالح تناقضاته الذاتية، لذا خلق من نفسه ومن حزبه حالة قومية مرفوضة، لقد مله الشعب السوداني وبالرغم من ذلك تأخذ الأيام دورتها وينجح السيد الصادق المهدي في كل مرحلة تاريخية في تخدير الشعب السوداني برفع لواء الديموقراطية وينال قليلا من الثقة إلى حين.
في الفقرات التالية سندرس معا ماذا فعل الصادق المهدي منذ مصالحة جيبوتي 1999م، وسنبحث عن أجوبة للسؤال التالي: هل لو دخل السيد الصادق المهدي وحزبه مشاركا في السلطة مع نظام الإسلاميين المنشق بعد مصالحة جيبوتي هل سيكون وضع السودان كما نراه اليوم؟ ولنبدأ بهذه المقدمة:
دعا السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة في الورشة التي نظمها حزبه في يوم الأربعاء والخميس 13/14 يوليو 2011م إلى تجريم الإنقلابات العسكرية وضرورة إبتعاد الجيش عن السياسة، وكشف عن تسعة مبادئ دستورية، 1) السياسات الخاطئة والتيارات العنصرية التي راجت هي المسئولة عن أنها حققت للأعداء أغلى أمانيهم - إسرائيل، 2) ضرورة تحقيف التوازن الإجتماعي في جنوب كردفان، والنيل الأزرق ودارفور، 3) لابد من معادلة حول الدين والدولة والدين والسياسة – الدولة المدنية هي الحل، 4) ضرورة العدالة الإجتماعية - الفقر والعطالة والتظلم الجهوي في نقص الخدمات والتنمية، 5) الإهتمام بلبنات البناء الديمقراطي - الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، 6) تسكين أو تمكين المواثيق الدولية في دستورنا لأننا جزء من العالم، 7) المبادئ الأساسية للدستور هي: السيادة للشعب - فصل السلطات، 8) : الجنسية: مقالة فيصل محمد صالح (ليس باسمنا) وهي مقالة يجب أن تقرأ ففيها توعية وإستنارة، 9) الولاءات القبلية والطائفية وغيرها قابلة للتطوير وفي هيئة الانصار قلنا تكون القيادة بالانتخابات لكن كل الولاءات السودانية تقريبا لا تزال متعلقة بمفاهيم السلطنة الزرقاء ما تعدتها للفصل بين السلطات – يجب تطورالمفاهيم لتقوم على المشاركة. وأهم شيء الفصل بين العسكرية والسلطة المدنية فقد أتى التعدي على حقوق الإنسان من هذا الباب.
كلام جميل، أليس كذلك؟ ولكن عيبه أنه ألقي في محاضرة أو ورشة بعد عشرة سنوات من تلك المصالحة الجيبوتية، وما أسهل الكلام في المحاضرات وفي الورش؟ وكما سنرى ضيع السيد الصادق المهدي وحزبه عشرة سنوات في لا شيء، وكان عليه أن يستفيد من تلك المصالحة ويدخل مشاركا في السلطة بقوة ويقارع بحزبه المؤتمر الوطني بأسلوب الإغراق المنظم والدعائي للعناوين التسعة أعلاه، وتفعيل المزاحمة والمدافعة السياسية، وفضح الفساد بتحريك القضايا نحو المحاكم، ورفع شعار فصل السلطات، وحرمة المال العام الخ، ولكن الصادق وحزبه لم يشاركا ولم يفعلا ذلك!!
قال تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة 251. وعن الامام الحسين عليه السلام حينما جاءه مروان ابن الحكم ابن العاص ناصحا له بيعته يزيد قال: (إليك عني يا عدو الله فإنا أهل بيت رسول الله (ص)، والحق فينا وبالحق تنطق السنتنا، وقد سمعت رسول الله (ص) يقول: الخلافة محرمة على آل أبي سفيان وعلى الطلقاء وأبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه، فوالله لقد رآه أهل المدينة على منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به، قاتلهم الله بإبنه يزيد زاده الله في النار عذابا). كتاب الفتوح 5:17. لأبي محمد أحمد بن أعثم الكوفي (ت 314ه / 926 م).
ونحن لا نقول للسيد الصادق أن يفعل كما فعل الحسين عليه السلام بثورته العظيمة على الجبت والطاغوت كأن أهدى دمه قربانا لدين جده، ولا نقول للصادق المهدي كأن يرفع سيفه وبندقيته ويقاتل أهل الإنقاذ!! بل كان عليه أن يعمل بمقتضى الإتفاقية السياسية التي وقعها عام 1999م بجيببوتي!! لم يفهم السيد الصادق المهدي وقتها أن المؤتمر الوطني في ديسمبر من عام 1999م كان في أضعف حلقاته السياسية – لقد أعمت بصيرة الصادق المهدي عقلية رجل اللوبي الاقتصادي!!
وعن مشروعه والورقات التي قدمت في الورشة قال السيد الصادق المهدي أنها مشروع إنقاذ السودان الحقيقي وليس إنقاذ 1989م: (اطمئنكم ان ما تقدمون من مقترحات لن تكون نظرية سوف نتبناها ونعمل على تسويقها لكل القوى المدنية والمسلحة. اذن توصياتكم لن تكون تمرينا نظريا بل هدفا تقف وراءه إن شاء الله قوى اجتماعية سودانية هائلة). لم ينسى الرجل إنقلاب 1989م الذي حطم مملكته، وكأن الشعب السوداني في إنتظاره عشرة سنوات لكي ينقذه السيد الصادق المهدي!!
وكحزمة محاسبة تاريخية يجب أن نتذكر: التقاء السيد الصادق المهدي بالرئيس عمر البشير كان في 26 نوفمبر 1999م في جيبوتي وعقد حزب الأمة في هذا اليوم والشهر والعام اتفاق "نداء الوطن" مع النظام السوداني في الخرطوم (نداء الخرطوم = إبراهيم منعم منصور) تحت رعاية الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي – أي قبل أسبوعين من إنقضاض البشير على المجلس الوطني وحله، وقد حل البشير المجلس الوطني في 11 ديسمبر 1999م، أي في الرابع من رمضان الشهير. ولكن السيد الصادق المهدي لم يعد إلى السودان إلا في 23 نوفمبر 2000م، أي بعد سنة من توقيع الإتفاقية، بعد أن أطمأن أن الإنقسام الإسلامي هو حقيقة وليس تمثيلية من إخراج صهره وغريمه الدكتور الشيخ حسن الترابي – ولكان بعد فوات الأوان.
شوقي إبراهيم عثمان
كاتب ومحلل سياسي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.