مراقد الشهداء    وجمعة ود فور    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    كامل إدريس يدشن أعمال اللجنة الوطنية لفك حصار الفاشر    وزير رياضة الجزيرة يهنئ بفوز الأهلي مدني    مخاوف من فقدان آلاف الأطفال السودانيين في ليبيا فرض التعليم بسبب الإقامة    سيد الأتيام يحقق انتصارًا تاريخيًا على النجم الساحلي التونسي في افتتاح مشاركته بالبطولة الكونفدرالية    وزير الداخلية .. التشديد على منع إستخدام الدراجات النارية داخل ولاية الخرطوم    شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالصور.. المودل السودانية الحسناء هديل إسماعيل تعود لإثارة الجدل وتستعرض جمالها بإطلالة مثيرة وملفتة وساخرون: (عاوزة تورينا الشعر ولا حاجة تانية)    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    ريجيكامب بين معركة العناد والثقة    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكرون السودانيون على طاولة التشريح - الصادق المهدي
نشر في النيلين يوم 01 - 08 - 2011


المفكرون السودانيون على طاولة التشريح
السيد الصادق المهدي
2-3
لم يعد مجديا أن يتماهي السودانيون بعضهم ببعض دون نقد في القضايا الفكرية والسياسية الوطنية – والتماهي يعني التقمص، ولقد مضى على السودان خمسة وخمسين عاما منذ الإستقلال- وشؤونه تؤول بشكل ثابت ودائم نحو الإنحطاط. غير أنه لم يعد صعبا في عصر المعلوماتية كشف المواقف الشخصية الزائفة من المواقف الأصيلة، فالإنسان ومشيئته يعبران عن موقف وجودي وقرار، إما صادقا مع نفسه وربه ورسوله والآخرين وإما كاذبا، والكذب نوعان، هنالك الكذب القاموسي – وهو المفردة التي نجدها عادة في القاموس للفظة كذب يكذب، وهنالك الكذب المخفي الدقيق الذي يصعب ملاحظته في الوهلة الأولى – ويصعب تسميته إن لم نقل هو درجة من المكر المصحوب النفاق، ويحتاج إلى التدقيق والتأمل والتحليل لكشف أبعاده، وهذا النوع من الكذب الدفين هو الأخطر. ولقد بينا في المقالة الأولى طبيعة مثقف السلطة الذي يخدع نفسه والآخرين – فهو كاذب بشكل ما أو منافق بدرجة ما. وفي هذه المقالة التي بين يديك لن نتهيب أي إسم مهما كان، وإننا بذلك لا نقصد التجريح مطلقا. سيكون موضوعنا هو السيد الصادق المهدي على حلقتين. ونبدأ بالسؤال:
هل الصادق المهدي من المفكرين؟ الجواب نعم ولا. ولا شك أنه يسعى لكي يصنف نفسه كمفكر، ولكن من أية نوع من المفكرين هو؟ هل هو من المفكرين المنظرين المتخارجين عن دائرة السلطة، أم هو مفكر دولة؟ السيد الصادق المهدي ضائع ما بين هاتين الفئتين، فلا هو مفكر حر بالمعنى المتعارف عليه ولا هو مفكر دولة. وفي تقديري لا تمثل قيادة حزب الأمة في أي وقت ما قيادة حزب سياسي حقيقي، بل هي لوبي إقتصادي من الطراز الأول. كل ما طرحه السيد الصادق المهدي من رؤى سياسية في تاريخه السياسي هي تماهيات مستلفة من أدبيات وشعارات الجبهة الديموقرطية التبسيطية التي بناءها الحزب الشيوعي في الماضي لا غير.
فالصادق المهدي وقادة أركان حزبه جلسوا على سنام السلطة عدة مرات، ولم يطرحوا أي شيء كتصور فكري سياسي لبناء الدولة state paradigm أو لإنهاض الشعب السوداني في أية موضوع، خاصة من الناحية التطبيقية وما يتعلق ببناء دولة المواطنة الحديثة – ما أن تجلس قيادة حزب الأمة على كراسي السلطة حتى تنغمس في صراع مع غرمائها الإتحاديين ويتقاتلون معا من منهما يحتكر ضرع البقرة دون الآخر!! وهكذا نمى في رحمهم وتحت غبار معاركهم الأنانية ذلك الجنين الصغير الذي يسمى بالإسلاميين – إلى أن أوصلنا جميعهم إلى ما لا دولة الشعب non-nation-state. ولو تم بناء دولة مدنية بالمفهوم الحقيقي لما كنا بعد خمسة وخمسين سنة نناضل من أجل الديموقراطية – ويعتبر نضالا سالبا يدخل تحت بند الطاقة المهدورة!! من يظن اليوم أن نظام الإنقاذ الحالي هو دولة فهو حسن النية – حتى أنا شخصيا خدعت فيه من البعد، فداخل هذا النظام القائم لوبي أو لوبيات إقتصادية تتدثر بثوب الدولة. إذن أحد كوارث السودان في الماضي هو الصادق المهدي بعينه، فهو لا يمتلك مؤهلات فكرية لرجل دولة ولم يترك السيد الصادق المهدي حزبه كأن ينموا نموا طبيعيا حتى يصبح حزبا سياسيا بالمعني الحقيقي للأحزاب – عقلية الصادق المهدي هي أقرب لعقلية رئيس اللوبي الاقتصادي..الذي أجاد علم المحاسبة accountancy و يسيطر على كل شيء في شركته أي حزبه!!
عندما يتأمل المرء السيرة الذاتية الدراسية للسيد الصادق المهدي على أنه ختم دراسته بعلوم الإقتصاد والفلسفة بجامعة أكسفورد، وتحصل منها على درجة الماجستير، ويقارن محصلة إنجازاته الضعيفة على كل المستويات في فترات حكمه الحكومة، يجزم المرء إستنتاجا أنه لم يدرس إقتصاد بجامعة أكسفورد الشهيرة – السيد الصادق المهدي لا يتحدث في الإقتصاد مطلقا!! لو صدقنا هذا الإدعاء الذي اطلقه الصادق المهدي منذ منتصف الخمسينيات على أنه رجل أكسفورد، علينا أن نعتقد أنه درس وجلس على ذات الكرسي الذي درس وجلس عليه بيل كلنتون – الرئيس الأمريكي السابق!! والأخير هو الذي قاد الإقتصاد الأمريكي المعقد نحو الإزدهار في فترة حكمه. والجامعات البريطانية مثلها مثل الأمريكية تنشيء الجامعة لخريجيها تجمعا طلابيا يسمىِ alumni وهي كلمة لاتينية قحة وتعريفها:
A male graduate or former student of a school, college, or university.
ومع كل حب السيد الصادق المهدي وشغفه بالمناصب الرفيعة في المنظومات السودانية والإقليمة والدولية لكنه لا يتحدث أبدا عن جامعة أكسفورد ولا عن تجمع خريجي أكسفورد oxford alumni الذي من المفترض أن يكون عضوا فاعلا فيه، وإليك نبذة عنه:
عمل موظفا بوزارة المالية في 1957م. وفي نوفمبر 1958 استقال عن الوظيفة لأن انقلاب 17 نوفمبر كان بداية لعهد يرفضه.
o عمل بعد ذلك مديرا للقسم الزراعي بدائرة المهدي، وعضوا بمجلس الإدارة.
o كان رئيسا لاتحاد منتجي القطن بالسودان.
انخرط في صفوف المعارضة وبعد ذلك دخل المعترك السياسي الذي جعل همه لخدمة قضية الديمقراطية والتنمية والتأصيل الإسلامي في السودان.
المناصب القيادية التي تقلدها:
o رئيس الجبهة القومية المتحدة في الفترة من 1961- 1964م.
o انتخب رئيسا لحزب الأمة نوفمبر 1964م.
o انتخب رئيسا للوزراء السودان في الفترة من 25 يوليو 1966- مايو 1967م.
o رئيس الجبهة الوطنية في الفترة من 1972- 1977م
o انتخب رئيسا لحزب الأمة القومي مارس 1986م
o انتخب رئيسا لوزراء السودان في الفترة من أبريل 1986- وحتى انقلاب 30 يونيو 1989م.
المناصب التي يتقلدها حاليا:
o رئيس مجلس إدارة شركة الصديقية.
o رئيس حزب الأمة القومي المنتخب في فبراير 2009م.
o إمام الأنصار المنتخب في ديسمبر 2002م.
o عضو مؤسس ورئيس المنتدى العالمي للوسطية في ديسمبر 2007م.
o عضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد – يضم سبعين رئيس دولة سابق تحت مسمى الديموقراطية الدولية.
o رئيس مجلس الحكماء العربي للحلف العربي لفض المنازعات.
الجمعيات والروابط: عديدة ومنها:
o عضو في المجلس العربي للمياه وعضو بمجلس أمنائه.
o عضو بالمجموعة الاستشارية العليا الخاصة بمجموعة العمل الدولية للدبلوماسية الوقائية.
o عضو في المؤتمر القومي الإسلامي، بيروت.
o عضو سابق في المجلس الإسلامي الأوروبي، لندن.
o عضو مجلس أمناء مؤسسة آل البيت.
o عضو سابق في جماعة الفكر والثقافة الإسلامية، الخرطوم.
o عضو مؤسس بشبكة الديمقراطيين العرب.
o عضو مؤسسة ياسر عرفات.
o عضو مجلس أمناء المؤسسة العربية للديمقراطية.
ولا نجد لجامعة أكسفورد أية ذكر!! حتى أننا لا نجد ورقة لمشروع تخرج السيد الصادق في علوم الإقتصاد والفلسفة من جامعة أكسفورد وإلا سارع لطبعها في كتاب – ويقول أيضا أنه تحصل على ماجستير في الإقتصاد من أكسفورد، لماذا لا يطبعه في كتاب وهو الشغوف بتشييد مجده الفكري والسياسي؟ عموما المجتمع السوداني في الخمسينيات كان مجتمعا صغيرا وبسيطا يتقبل كل شيء دون تمحيص، أضف إلى ذلك كانت الحكومة وقتها حكومة حزب الأمة - برئاسة عبد الله خليل، فتم إستيعاب السيد الصادق المهدي موظفا بوزارة المالية. وبما أن السيد الصادق المهدي عمل بوزارة المالية، لابد أن يكون ملف تعيينه موجودا وفيه كل شهاداته، وإن أختفى هذا الملف فنحن إذن لم نظلم السيد الصادق المهدي وحتى إشعار آخر.
الهدف من تشريح شخصية السيد الصادق المهدي هو أن نفهم هذا الرجل السياسي موضوعيا على حقيقته بدون رتوش، وعليه يجب ألا تتوقع الأجيال الحديثة منه سوى ما في قصعته من إمكانيات فكرية وسياسية محدودة. لو درس الصادق المهدي حقا علوم الاقتصاد والفلسفة بجامعة أكسفورد وتحصل على ماجستير منها لما كان حال السودان هو حاله اليوم، ولما كان حال حزب الأمة هو حاله اليوم. ودعنا نترك جانبا ذلك التحليل اليساري في الصادق المهدي ولم يصب الهدف بالدقة الكافية. يقول التحليل فيما معناه: ولدت رأسمالية حزب الأمة المتمثلة في الصعود السياسي للسيد الصادق المهدي في الستينيات كحتمية من رحم إقطاعية الأرض الزراعية، ولكن ليس من مصلحة "الأكسفوردي" الصادق المهدي بوعيه أو غيره كأن يمحي االمكون الإقطاعي "الأنصار" عبر نقلة مقصودة نحو الحداثة والتحديث الكامل وإلا فقد حزبه السياسي القوة الميكانيكية في الإنتخابات الليبرالية!! رغم صحة هذا التحليل نسبيا، الذي يؤكد أن الإنسان لا يميل بطبعه نحو نفي ذاته self negationأو وظيفته، ولكن غاب عن الجميع وقتها السؤال التالي: هل السيد الصادق المهدي فعلا من خريجي جامعة أكسفورد؟ وهذا السؤال مشروع، إذ غالبا ما تعمل ذات المتعلم المسؤول بمقتضى وعيها وعلمها حتى ولو أدى بها إلى السقوط في التناقض مع مصلحتها - وحتى ولو على حساب فناء المكون الإقطاعي لأنه بديهيا لا يمكن إفناء هذا المكون الإقطاعي الذي يمثله حزب الأمة في يوم أو في شهر!! ولكن الجميع لم ينتبه وربما إلى اليوم...أن السيد الصادق المهدي لا يمتلك العلم الكافي لإدارة حزب سياسي ناهيك عن إدارة دولة بحجم السودان!!
لو كان السيد الصاد المهدي متعلما حقا لكان بإمكانه أن يتسيد حزبه "أي الأنصار" باسلوب المؤامة من مرحلة تحديثية لآخرى، فالتحديث لا يعني فقدانه هذه السيادة على الأنصار المواليين ولا يعني فقدان البرستيج الذي دوما يرغبه الصادق المهدي – على عكس منطوق التحليل اليساري، لأن كل مرحلة تاريخية للتطور لها مشاكلها النوعية – فمثلا ثورة تقنية المعلومات لم تلغي كل البنى التقليدية من مصانع وعمالة فنية ولم تشطبها في بداية تبلورها كأن تنهار معها كما تخيل بعض المحللين المجتمعات الرأسمالية – لأنه كان متوقعا أن ترتفع مع هذه الثورة التقنية معدلات البطالة بشكل عالي، وفعلا هذا حدث الخ ولكن ثورة تقنية المعلومات أمتصت البنى التقليدية بأسلوب الهضم وإعادة التأهيل المتدرج، وصاحب نمو التقنيات العالية مشاكل نوعية جديدة فتحت الأبواب لوظائف تخصصية جديدة لصالح قوى العمل في المجتمع ودورة الإقتصاد، وهكذا عبر المؤامة والمشاكل النوعية المتجددة المتولدة من طفرة التجديد ومن طفرة التقنيات أمتد عمر الرأسمالية الغربية بينما أنهار الإتحاد السوفيتي المتحجر – وهذا المثال الأخير ينطبق على حزب الأمة في الأمس واليوم المصاب بمرض التحجر إلى حد التيبس!!
أثناء كتابتي لهذه المقالة قرأت ما سطره الأستاذ إبراهيم منعم منصور – وموقف حزب الأمة والسيد الصادق المهدي من المصالحة الوطنية الشاملة التي تقدم بها كل من النميري والشيخ زايد آل نهيان عام 1999م – وشرح صاحب المقالة كيف أن السيد الصادق المهدي نسب لنفسه محتوى نقاط مذكرته وجلس بها الصادق المهدي لوحده في جيبوتي مع عمر البشير لكي يصطاد الفيل فأصطاد فأرة - كما قال إبراهيم منعم منصور!! ولقد أثبتت مقالته نقاط حيوية يجب ألا تفوت على السودانيين، مثلا أن من وقف في وجه المصالحة السياسية الشاملة 1999م هما علي عثمان وعلي الحاج، بينما تم تسريب دعاية تكتيكية مستمرة في العشرة السنوات التالية فحواها وقوف علي عثمان محمد طه مع تقوية أحزاب المعارضة والإنفتاح عليها في صراعه مع د. نافع علي نافع بينما الأخير يرغب في إضعافها!! هذه دعاية للتشويش لا غير - أرأيتم كيف يلعبون بعقولنا؟ وكذلك أثبتت المقالة أن موقف الشيخ حسن عبد الله الترابي من إعادة إرساء وتوطين الحريات عام 1999م هو موقف صدوق!! ولعلنا نشير هنا بعجالة أن الشيخ الترابي حمل ظلما كل أخطاء الجميع - أخطاء تلاميذه وأعدائه اللاحقين..فكيف يبرر على الحاج اليوم موقفه السابق من الليبرالية الديموقراطية الحزبية إن لم يكن رفضه تفعيلا وإنحيازا لتناقضاته الذاتية على حساب التناقضات القومية؟ وهنا نضع شرطا آخر من شروط المثقف المفكر الحقيقي وهو أن يدرك المثقف الحقيقي تناقضاته الذاتية بكفاءة ولا يسقطها على الواقع السياسي ويلبس على الناس وكأنها تناقضات وطنية وقومية!!
هذا الشرط أعلاه في المثقف أو المفكر الحقيقي لم يستوفه علي عثمان محمد طه وعلي الحاج، لقد غلبا الإنتصار لتناقضاتهما الذاتية وحلها على حساب المصلحة الوطنية والقومية، ولكن كما سنرى في الفقرات التالية أن السيد الصادق المهدي حصل على الرقم القياسي في هذا المضمار – وجدير بأن يسجل في كتاب جينيس، فتاريخه السياسي بالكامل لصالح تناقضاته الذاتية، لذا خلق من نفسه ومن حزبه حالة قومية مرفوضة، لقد مله الشعب السوداني وبالرغم من ذلك تأخذ الأيام دورتها وينجح السيد الصادق المهدي في كل مرحلة تاريخية في تخدير الشعب السوداني برفع لواء الديموقراطية وينال قليلا من الثقة إلى حين.
في الفقرات التالية سندرس معا ماذا فعل الصادق المهدي منذ مصالحة جيبوتي 1999م، وسنبحث عن أجوبة للسؤال التالي: هل لو دخل السيد الصادق المهدي وحزبه مشاركا في السلطة مع نظام الإسلاميين المنشق بعد مصالحة جيبوتي هل سيكون وضع السودان كما نراه اليوم؟ ولنبدأ بهذه المقدمة:
دعا السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة في الورشة التي نظمها حزبه في يوم الأربعاء والخميس 13/14 يوليو 2011م إلى تجريم الإنقلابات العسكرية وضرورة إبتعاد الجيش عن السياسة، وكشف عن تسعة مبادئ دستورية، 1) السياسات الخاطئة والتيارات العنصرية التي راجت هي المسئولة عن أنها حققت للأعداء أغلى أمانيهم - إسرائيل، 2) ضرورة تحقيف التوازن الإجتماعي في جنوب كردفان، والنيل الأزرق ودارفور، 3) لابد من معادلة حول الدين والدولة والدين والسياسة – الدولة المدنية هي الحل، 4) ضرورة العدالة الإجتماعية - الفقر والعطالة والتظلم الجهوي في نقص الخدمات والتنمية، 5) الإهتمام بلبنات البناء الديمقراطي - الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، 6) تسكين أو تمكين المواثيق الدولية في دستورنا لأننا جزء من العالم، 7) المبادئ الأساسية للدستور هي: السيادة للشعب - فصل السلطات، 8) : الجنسية: مقالة فيصل محمد صالح (ليس باسمنا) وهي مقالة يجب أن تقرأ ففيها توعية وإستنارة، 9) الولاءات القبلية والطائفية وغيرها قابلة للتطوير وفي هيئة الانصار قلنا تكون القيادة بالانتخابات لكن كل الولاءات السودانية تقريبا لا تزال متعلقة بمفاهيم السلطنة الزرقاء ما تعدتها للفصل بين السلطات – يجب تطورالمفاهيم لتقوم على المشاركة. وأهم شيء الفصل بين العسكرية والسلطة المدنية فقد أتى التعدي على حقوق الإنسان من هذا الباب.
كلام جميل، أليس كذلك؟ ولكن عيبه أنه ألقي في محاضرة أو ورشة بعد عشرة سنوات من تلك المصالحة الجيبوتية، وما أسهل الكلام في المحاضرات وفي الورش؟ وكما سنرى ضيع السيد الصادق المهدي وحزبه عشرة سنوات في لا شيء، وكان عليه أن يستفيد من تلك المصالحة ويدخل مشاركا في السلطة بقوة ويقارع بحزبه المؤتمر الوطني بأسلوب الإغراق المنظم والدعائي للعناوين التسعة أعلاه، وتفعيل المزاحمة والمدافعة السياسية، وفضح الفساد بتحريك القضايا نحو المحاكم، ورفع شعار فصل السلطات، وحرمة المال العام الخ، ولكن الصادق وحزبه لم يشاركا ولم يفعلا ذلك!!
قال تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة 251. وعن الامام الحسين عليه السلام حينما جاءه مروان ابن الحكم ابن العاص ناصحا له بيعته يزيد قال: (إليك عني يا عدو الله فإنا أهل بيت رسول الله (ص)، والحق فينا وبالحق تنطق السنتنا، وقد سمعت رسول الله (ص) يقول: الخلافة محرمة على آل أبي سفيان وعلى الطلقاء وأبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه، فوالله لقد رآه أهل المدينة على منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به، قاتلهم الله بإبنه يزيد زاده الله في النار عذابا). كتاب الفتوح 5:17. لأبي محمد أحمد بن أعثم الكوفي (ت 314ه / 926 م).
ونحن لا نقول للسيد الصادق أن يفعل كما فعل الحسين عليه السلام بثورته العظيمة على الجبت والطاغوت كأن أهدى دمه قربانا لدين جده، ولا نقول للصادق المهدي كأن يرفع سيفه وبندقيته ويقاتل أهل الإنقاذ!! بل كان عليه أن يعمل بمقتضى الإتفاقية السياسية التي وقعها عام 1999م بجيببوتي!! لم يفهم السيد الصادق المهدي وقتها أن المؤتمر الوطني في ديسمبر من عام 1999م كان في أضعف حلقاته السياسية – لقد أعمت بصيرة الصادق المهدي عقلية رجل اللوبي الاقتصادي!!
وعن مشروعه والورقات التي قدمت في الورشة قال السيد الصادق المهدي أنها مشروع إنقاذ السودان الحقيقي وليس إنقاذ 1989م: (اطمئنكم ان ما تقدمون من مقترحات لن تكون نظرية سوف نتبناها ونعمل على تسويقها لكل القوى المدنية والمسلحة. اذن توصياتكم لن تكون تمرينا نظريا بل هدفا تقف وراءه إن شاء الله قوى اجتماعية سودانية هائلة). لم ينسى الرجل إنقلاب 1989م الذي حطم مملكته، وكأن الشعب السوداني في إنتظاره عشرة سنوات لكي ينقذه السيد الصادق المهدي!!
وكحزمة محاسبة تاريخية يجب أن نتذكر: التقاء السيد الصادق المهدي بالرئيس عمر البشير كان في 26 نوفمبر 1999م في جيبوتي وعقد حزب الأمة في هذا اليوم والشهر والعام اتفاق "نداء الوطن" مع النظام السوداني في الخرطوم (نداء الخرطوم = إبراهيم منعم منصور) تحت رعاية الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي – أي قبل أسبوعين من إنقضاض البشير على المجلس الوطني وحله، وقد حل البشير المجلس الوطني في 11 ديسمبر 1999م، أي في الرابع من رمضان الشهير. ولكن السيد الصادق المهدي لم يعد إلى السودان إلا في 23 نوفمبر 2000م، أي بعد سنة من توقيع الإتفاقية، بعد أن أطمأن أن الإنقسام الإسلامي هو حقيقة وليس تمثيلية من إخراج صهره وغريمه الدكتور الشيخ حسن الترابي – ولكان بعد فوات الأوان.
شوقي إبراهيم عثمان
كاتب ومحلل سياسي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.