(1 ) * صديقي المصري الاستاذ أمين محمد حسين عندما اغتيل السادات في حادثة المنصة المعروفة أخذ يبكي بكاءً حارا مع أن عهدي به أنه لم يكن محبا للسادات فسألته عن هذا التحول فقال لي إنه يبكي لأنه سوف يتعرض لشماتة السوريين والفلسطينيين الذين كانوا يعملون معنا في تلك الجهة القصية من المملكة العربية السعودية. فقلت له مخففا: في هذه الحالة يمكنك أن تفتخر بالاسلامبولي فهو أيضا مصري وبهذا يكون (زيتكم في بيتكم) كما نقول في السودان بالفعل التقط أمين الفكرة ونفذها بإتقان مصري لا يمكن تصوره. (2 ) * تذكرت القصة أعلاه وأنا أتابع وقائع تقديم الرئيس المصري السابق حسني مبارك للمحاكمة أمس الأربعاء مباشرة من التلفزيون المصري. القنوات المصرية حشدت المعلقين للتعليق على الحدث وكان كلامهم جميعا منصبا على أن هذا يوم تاريخي , يوم يقدمه الشعب المصري للأمة العربية والعالم أجمع , إنها ثورة الشعب المصري وعبقريته هي التي تقدم رئيسه السابق لمحاكمة متلفزة . إنها دولة القانون تتوهط الوهج الثوري. (3 ) * الشعب المصري في أجياله المعاصرة لم ير في حياته حاكما من حكامه السابقين فبعد وفاة عبد الناصر مسموما وهذه قصة أخرى صعد السادات على سدة الحكم بعد اغتيال السادات استلم مبارك الراية الى أن أزاحته ثورة يناير الشعبية . بينما في السودان حتى الآن لم يمت لنا رئيس وهو في سدة الحكم وهذه أيضا قصة أخرى . فإذا كان ذلك الشعب الثائر لم ير رئيسا سابقا له فما بالك عندما يرى هذا الرئيس في قاعة محكمة وهو مستلقٍ على نقالة نسبة لتدهور صحته. إنها صورة واقعية تفوق الخيال المصري لا بل تضع الدراما المصرية في تحدٍّ حقيقي. هذه الدراما التي تخلصت من منافسة الدراما السورية والأردنية عليها الآن أن تنافس واقعها. (4 ) * رغم راية الشفافية التي رفعها المصريون وهم يحاكمون رئيسهم السابق إلا أنه لم يهن عليهم أن يشاهد العالم ذلك الرئيس على تلك الحالة المؤلمة فلم تنقل الكاميرا صورته وهو يدخل الطائرة ولم تنقلها وهو ينزل (بضم الياء) من الطائرة ولم تنقلها وهو يوضع في عربة الإسعاف أو يخرج منها , حتى وهو داخل القفص مستلقيا يمرر أنامله على شفتيه بصورة لا إرادية ثم يغمض عينيه لا تدري إن كان في حالة نوم أم غيبوبة كان هناك تحاشيا واضحا لنقل تلك الصورة. فكان على المتابع أن يركز بشدة لكي يتابع تفلتات الكاميرا ليحظى بثوان لمشاهدة الرجل على تلك الحالة. (5 ) * كل شيء كان رئاسيا, كانت الإجراءات الأمنية مشددة جدا والموكب رهيبا والمشهد أشد رهبة فالرجل نفس الرجل لكن الفرق أنه المرات السابقة كان رئيسا يعزف له السلام الجمهوري وفي هذه المرة كان في ملابس المتهمين ذاهبا الى قفص يسبقه إليه ابنيه بذات الملابس . كيف صحة شاعرنا الفيتوري القائل (دنيا لا يملكها من يملكها / أغنى أهليها سادتها الفقراء /الخاسر من لم يأخذ منها ما تعطيه على استحياء/ والغافل من ظن الأشياء هي الأشياء). حاطب ليل- السوداني [email protected]