كعادته يلتقط الفنان المبدع زميلنا عماد حجاج ما هو جوهري في المسألة عندما يحدثنا في سهرة رمضانية عن المفارقة التي رصدها وهو يتمعن الصور المتكررة لمحطة الجزيرة عن قفص الرئيس المصري حسني مبارك في المحاكمة الشهيرة التي أعادت بثها الجزيرة عشرات المرات لأسباب مفهومة بطبيعة الحال. حجاج كالكثيرين ممن استمعت إليهم تذكر قفص الرئيس الراحل صدام حسين بمحاكمة مختلفة تماما على شكل مسرحية أعدها الإحتلال الأمريكي لكن بعين الفنان يغرق حجاج في تحليل مشهد جمال وعلاء مبارك وهما يحملان المصحف الشريف ويقفان قصدا في وجه الكاميرا لتخبئة والدهما الممدد على سرير الشعب مرتديا طقم المتهمين. وصاحبنا شاهد الصورة كالتالي: صدام حسين جلس ووقف وخطب داخل القفص الأمريكي فيما نام نجلاه عدي وقصي صدام حسين للأبد قبل محكمته بعدما قتلتهما البندقية الأمريكية في معركة قاتل فيها الشابان ببطولة حتى أظهرتهما كاميرا العربية على هيئة جثث طرية للغاية خضعت للمساحيق الأمريكية قبل عرضها على الرأي العام العربي والإسلامي لكي يعتبر. يومها لا أنسى مشهد مراسل العربية في عمان وهو احد الأصدقاء عندما تجول في خيمة الموتى الأمريكية ليعرض صورة الشهيدين قصي وعدي. .. إذا صدام وقف في القفص الأمريكي بعدما نام فلذتا كبده نومتهما الأخيرة ولم يكتب للأمريكي وجواسيسه من حكام العراق أن يلتقطا صورة لعدي وقصي بجانب والدهما في القفص. المفارقة عكسية تماما حسب حجاج عندما تعلق الأمر بالريس حسني فولداه لم يناما بل ظهرا في حالة وقوف داخل القفص وأمام الكاميرا وحسب اللقطات المكررة لمحطة الحياة المصرية بدا أن النجلين علاء وجمال حليقا الشنب واللحية منعمان للغاية وكأنهما خرجا للتو من حمام ساونا على البخار. وبوضوح قالت إم بي سي العربية أن علاء وجمال إجتهدا تماما في حجب والدهما عن كادر الكاميرا وكأنهما يداريان سوأة الوالد الزعيم الذي كان رئيسا قبل أسابيع فقط وهي فرصة لم يتحها الأمريكيون لعدي وقصي رحمهما ألله فرحلا رغم كل ما يقال عنهما بطريقة مشرفة.. حتى جثة عدي التي عبث بها ممرض أمريكي كانت إدانة مباشرة لكل حياة يرضاها المرء مع الإحتلال. لذلك لا أتصور ان المقارنة والمقاربة كافية بين قفص صدام الشهيد وقفص مبارك الذي يحاكمه شعبه فالسيد في الحالة الأولى أمريكي محتل وفي الثانية الشعب المصري العظيم. ويكفي صدام رغم خلافنا السياسي معه أنه وقف في القفص الأمريكي خطيبا ليؤدب المحكمة ويطالب القاضي العراقي المزيف برفع رأسه والتحدث بصوت مرتفع لسبب بسيط كاد القاضي أن ينساه وهو أنه عراقي. أما العبارة اليتيمة التي خرجت من الريس الممدد داخل القفص فكانت كما رصدها الصديق طاهر العدوان عبارة (موجود يا أفندم) وقد رددها مبارك ردا على نداء القاضي على المتهم لإثبات الوجود والمحاكمة الوجاهية. ويكفي صدام شرفا أنه حوكم وجلس في القفص سيدا يرفع معنويات أركان حكمه المجاورين ممن يحاكمهم الإحتلال فيما فقد للتو نجليه في معركة مباشرة أما صاحبنا الريس فإحتفظ حتى الأن بولديه المدللين معه في القفص وبحياته الطويلة البائسة وبسيرة لن يذكر أحفادنا منها إلا تحسر أصدقائه الإسرائيليين على (خيانة) الشعب المصري لصديقهم الريس وإلا دعوتهم لإطلاق إسم مبارك على احد ميادين تل أبيب. دريد لحام وبشار الأسد لعبة محطة الدنيا الفضائية التابعة لعائلة مخلوف السورية مكشوفة للغاية ومؤسفة حيث يمكن لمن يرغب خلال شهر رمضان المبارك بمشاهدة العمل الدرامي الجديد لدريد لحام أن يتمتع بالشريط الموازي أسفل شاشة فضائية آل مخلوف ليقرأ الرسائل القصيرة التي تمجد النظام والرئيس بشار الأسد في محاولة تقنية خبيئة لاصطياد قراء إجباريين لهذه الرسائل القصيرة. لكنها لعبة محفوفة بالمخاطر سياسيا فالنظام الذي يحتاج لتأييد إلكتروني وتقني مضلل من هذا النوع إما آيل للسقوط أو لا يجد أنصارا في الواقع والحقيقة فيبحث عن أنصار في العالم الإفتراضي لأن أصدقاءنا الذين سبق لهم فتح بقاليات فضائية من هذا الطراز يعرفون بأن الكونترول في الحيز التقني يستطيع إمطار المشاهد بسيل من الرسائل القصيرة في الدقيقة الواحدة فالمسألة لا تكلف أكثر من كبسة زر. وفضائية مخلوف كالعادة تبدو مستمتعة بإثارة الجدل ومشاعر الإحتقان تجاهها حتى أنها وظفت دراما غوار الطوشة لنفس الغرض في الوقت الذي إشتعلت فيه حرب الفضائيات مبكرا على هوامش الر بيع العربي. دراما على إيقاع الشارع وعلى سيرة حرب الفضائيات من الواضح أنها أصبحت تعكس المزاج السياسي للمواطن والشارع العربي في هذا الوقت المفصلي فالعربي هذه الأيام يسيس كل شيء بما في ذلك الدراما العربية ومن الواضح ان المشاهدين في الأردن مثلا وحسب دراسة إستطلاعية سريعة لأحد المراكز البحثية مالوا للدراما المصرية في رمضان الحالي أكثر من الدراما السورية. السبب قد يكون واضحا برأي المختصين وهو التأثر بانتصار الثورة في مصر والتعبير عن الإمتنان لميدان التحرير والميل بالتوازي لمعاقبة نخبة من نجوم الدراما السورية الذين رفضوا الوقوف مع شعبهم وأيدوا المجازر. لكن السؤال الذي يؤرقني وأنا محب سابق للرئيس الشاب بشار الأسد.. هل يحتاج الرجل لرسائل إس . إم إس قصيرة عبر الديجتال لكي تظهر شعبيته؟.. أين الأمواج البشرية التي كنا نشاهدها وهي تخرج للشوارع في سوريا الشقيقة لتحيي والده الراحل حافظ الأسد ببعض المناسبات المضحكة مثل ذكرى الحركة التصحيحية أو أعياد حزب البعث؟ هل تكفي الرسائل القصيرة لصناعة شرعية من هذا النوع تتسرب عبر شريط يتبع شاشة تعرض عملا دراميا؟... لو كان الأمر كذلك لتوجت زوجتي المصون رئيسة للشرق الأوسط برمته فهي تدير يوميا عملية متواصلة قوامها مئات المسجات الإلكترونية مع شقيقاتها وجاراتها والأقارب والأصدقاء.. أنا وحدي إستقبل يوميا أوامر وتعليمات وتوجيهات (أم ألعيال) عبر الرسائل القصيرة من طراز (لا تنس الخبز) أو من طراز.. (لدينا ضيوف مفاجئين إحضر حلويات) أو من نوع (أوراق الصغير المعطرة إنتهت إحضر عبوة.. أو يفضل إحضار عبوة من أقراض البعوض). .. أحيانا تداعبني أم العيال فتسبغ علي عبر الرسائل إياها في فيس بوك أو الخلوي ألقابا جميلة ووديعة تختفي فجأة عند التواصل الفيزيائي فتقول مثلا: يا وحش لا تنس الخبز أو تقول: يا بطل زادت الحشوة إحضر قليلا من الكوسا معك أو تقول: صورتك على القدس العربي بتجنن ثم تضيف: بامبيرز للصغير من النوع السعودي وليس المصري. هل تعني هذه المغازلات الزوجية المشرقية أني مؤهل لأصبح رئيسا او ملكا لا سمح ألله ؟... يعني بإختصار لو عرضت فضائية مخلوف مليون رسالة قصيرة كل ساعة تمجد بشار الأسد فهل سينسى المشاهد العربي مجزرة حماة وساعة الذئب التي كتب عنها مبدعنا صبحي الحديدي؟... أشك في ذلك وكنت أتصور بأن الرئيس بشار أهم كثيرا من أن يحتاج لهذا السيل الزائف من المسيجات. مدير مكتب 'القدس العربي' في عمّان