منذ أكثر من أسبوع والعالم العربي يعيش حالة من الاسترخاء والفرفشة، حتى لتحسب ان القذافي صار غاندي، وأن بشار الأسد اعتذر للشعب السوري وقدم استقالته، وسر الانتشار الوبائي للراحة والروقة في العالم العربي هو انطلاق الدوري في معظم دول أوروبا وكمان البطولة الاوروبية لكرة القدم، ولسبب غير مفهوم يعتبر العرب أن كرة القدم هي أساس التنمية الاقتصادية والبشرية الاجتماعية، ومن آيات ان العرب تعولموا ولم يعودوا بحاجة الى اي إصلاح سياسي، أن ولاءاتهم الكروية صارت عابرة للقارات، ففي مباريات كاس العالم لكرة القدم يشجع جميع العرب البرازيل (ربما يحسبون ان اسمها مشتق من «الرزيلة»)، وخلال الأيام العادية تجد الكثيرين من العرب منفعلين بالدوري الايطالي او الانجليزي او الالماني (رغم ضحالة ثقافتي الكروية فإنني أعتقد ان من يشجع الكرة الألمانية يتحلى بدرجة رفيعة من فساد الذوق الكروي فالألمان يلعبون الكرة وكأنها حصة هندسة.. كل شيء عندهم محسوب بالمسطرة والسي سي.. ولا مجال للمسة فنية أو حركات فردية.. لاعبون كالجرارات يتدحرجون من موقع الى آخر وكأن جهة ما تتحكم فيهم بالريموت كونترول).. وخلال منافسات البطولة الأوروبية، تكون زوجتي شامتة في صاحباتها اللواتي يشكون من أن ازواجهن يجلسون قبالة التلفزيون والريموتات في أيديهم، لا يهمهم أمر مصطفى الذي دخل المستشفى منذ يومين، أو أمر سكينة التي رزقت ببنت بعملية قيصرية كانت ضرورية، لأن الطلق لازمها ثلاثة أيام حتى انهد حيلها،.. ولا حتى أن عمة هاشم ماتت منذ اسبوع وانه من الواجب التعجيل بالقيام بواجب العزاء لأنه «ما حصل تلوَّم معانا».. وسر شماتة زوجتي في صويحباتها هو ان زوجها الذي يعتبر الجيل الجديد من المغنيات العربيات من مبطلات الوضوء، لا يهمه أمر كرة القدم حتى لو كانت البرازيل تلعب ضد اسبانيا في الحوش الخلفي لبيته... أحيانا يقابلني زملاء العمل بعبارات مثل: هاردلك يا ابو الجعافر... بس بصراحة فريقكم كان مستواه يكسف! واتساءل أي فريق وأي بطيخ هذا الذي كان مستواه يكسف، فيتم إبلاغي بلهجة استنكار ان الفريق السوداني الفلاني لعب ضد الفريق الفلتكاني وهزم بثمانية أهداف!! مثل هذا الكلام يستفزني، ويبدو الغضب ظاهرا على تقاطيع وجهي فيحاول محدثي التخفيف عني بكلام من شاكلة: بس هم عندهم لاعبين محترفين في أوربا، و.......، لآ أدعه يكمل: وأنا مالي لو انهزم بثمانية او الف هدف؟ ليه تعزيني في فريق لا يهمني من أمره شيء؟ (هذا الكلام ليس مقصودا به فريق كرة معين!) نعم كرة القدم ممتعة، ولكن لو نظرت إليها بموضوعية فليس هناك ما يدعوك الى مشاهدة أكثر من خمس مباريات منها خلال مسيرة حياتك، فطريقة التمرير والمراوغة والتهديف والعرقلة كلها معروفة ولم ولن ياتي لاعب بحركة جديدة كأن يحمل الكرة تحت فكه او حنكه ويجري بها حتى يدخل المرمى،.. ولكنني أقر بأن المتعة الحقيقية في كرة القدم هي «الأهداف»، ومن ثم فإنني أقترح على الفيفا ان تكون كل مباراة من عشر دقائق فقط، تخصص خمس دقائق لضربات الجزاء والخمس دقائق الأخرى لضربات مباشرة على المرمى من خط 18،... بالتبادل طبعا، وهكذا سيكون متوسط عدد الاهداف في كل مباراة نحو 12 هدفا، وسيحس الجمهور بنفس المتعة التي يحس بها ولدي لؤي الذي لعب حارس مرمى لفريق فصله في المدرسة وعاد الى البيت مسرورا: فزنا عليهم 16 ل 13!! أما ان تصبح الكرة «شهادة وعبادة» كما يقول التعبير العامي البليغ، فهذه «تو مَتْش»... أمر فات الحد!! لماذا يضرب شخص ما شخصا آخر لأنه قال ان النادي الفلاني أفضل من النادي العلاني ويدخل السجن؟ لماذا ينام شخص ما بدون عشاء لأن فريقه انهزم؟ لماذا يصيح رجل ما في زوجته «اسكتي يا زفتة» لأنها تلقت مكالمة هاتفية من أخيها المسافر بينما هو يشاهد مباراة كرة متلفزة؟ لماذا يُفوِّت شخص ما وجبة الغداء لتوفير المبلغ المطلوب لشراء تذكرة لمشاهدة مباراة في كرة القدم لفريق جربان ضد فريق كحيان؟ لماذا يطلق رجل زوجته من دون علمها لأن حكم مباراة احتسب ضربة جزاء لصالح الفريق الذي لا يشجعه الرجل وذلك بأن يصيح: علي بالطلاق بالتلاتة الحكم ده مرتشي وعميان كمان! [email protected]