بسم الله الرحمن الرحيم أنا كما يراني الناس من الخارج فتاة عادية في التاسعة عشرة ، مرحة منطلقة ، الكثيرون يحسدونني على انطلاقي ، فأنا أبداً دائماً ضاحكة عابثة ، ولكن قلبي من الداخل يدمي ، ولا أحد يعلم ما أُعانيه .. أحببتُ منذ ثلاث سنوات ، وكان حُبّاً أكبر من عمري ، كان هو في الثلاثين ، علمني كل شيء ، كُنت كتاباً مقفولاً وموضوعاً على الرف ، وجاء هو وفتحه وقرأ كل سطر فيه ، وكل كلمة فيه ، وكنت سعيدة ، السنة الماضية مثل هذا الوقت كنت أسعد مخلوقة في الوجود ، فأنا جميلة خفيفة الظل محبوبة من الجميع ، ومن عائلة غنية أستطيع الحصول على جميع طلباتي ، وأهم من هذا كله كان هو بجانبي .. كُنّا شبه مخطوبين أمام الناس ، وشبه متزوجين أمام أنفسنا وأمام الله ، عرفت معه كل مُتع الحب وكل مسراته ، وقد حرصت على ألّا يتجاوز عبثنا الحدود ، فظللت عذراء ، ولكنه في اخر لحظة تركني وهجرني إلى غير رجعة ، قال أنه لا يستطيع أن يعصي أمر والدته ، وقد اختارت له والدته ابنة أختها اليتيمة ، وخطبتها له ، وهو لا يستطيع أن يرفض لها طلباً فهو وحيدها ! تعذّبت ، ومرضت ثلاثة أشهر ، ثم بدأتُ أضمد جراحي ، وأقاوم عذابي ، وأرسم الضحكة على شفتي وأغتصب الإبتسامة ، وبدأتُ أعود إلي الحياة ، وعرفتُ أحد زملائي في الكُلّية وصاحبته ، لكنه لم يكن حباً هذه المرة ، فأنا أعلم أني لا أحبه ، وأنه لا يُحبني ، ولكني كنت أبحث عن سلوى ، كُنّا نمضي الوقت معاً ثم يبدأ عذاب الضمير ، وأراني أصرخ في نفسي ، إني ساقطة مُجرمة بدون أخلاق مُذنبة ، مصيرها جهنّم .. ولكني أعود فأسأل نفسي ، وما ذنبنا إذا كانت هذه غرائزنا التي رُكّبتْ فينا ورغباتنا التي خُلقت معنا ؟ ، إني لو لم أفعل هذه الأشياء فسوف أظل أُفكّرُ فيها وأتمنى أن أعملها ، وهذا ألعن ،، ما ذنبنا إذا كانت هذه طبيعتنا ؟ ، وأبكي وأصلي ، وأصوم ، ثم أعود إلى فعل هذه الأشياء ، وأنا أسأل نفسي في حيرة ، ما الفرق بين ما يفعله المتزوجون وغير المتزوجين ؟ إنها ورقة ، مجرد ورقة ! فكيف تكون رخصة الفضيلة مجرد ورقة ؟ ولماذا يعتبر الناس تلامس اليدين في المصافحة عملاً عادياً لا غبار عليه ؟ وتلامس الشفاه عملاً فاضحاً شائناً أليست كلها أجزاء جسم واحد ؟ ! وما معنى الفضيلة هنا ؟ وكيف يكون تحريم أشياء هي في صميم طبيعتنا فضيلة ؟ لماذا لا نعيش على الطبيعة ، بدون تعقيد ، وبدون كبت ، وبدون تحريم ؟ *** قصدك لماذا لا نعيش كالحيوانات فننطلق مع غرائزنا بلا ضابط وبلا نظام ، وبلا هدف سوى هاتف اللحظة ، ولذّة الساعة ! مُستحيل طبعاً ، فهذا معناه أن نتخلى عن انسانيتنا تماماً ، ونعود إلى عصر الغابة ، فالآدمية لا تبدأ إلا من هذه اللحظة ، من اللحظة التي يضبط فيها الإنسان رغبته ويكبح جماحه ويلجم شهواته ويتصرف بمقتضى أهداف سامية كالرحمة والإخاء والشجاعة والتضحية والبذل في سبيل الآخرين ، والعمل على إقامة نظام ، والإنقطاع للعلم والتحصيل والمعرفة وخدمة الناس ، أما إذا انقلب الوضع وأصبحت لذّات الجسد العابرة ، ونزوات الغريزة مفضلة على هذه الأغراض السامية ، فإن الإنسان يفقد انسانيته وينقلب حيواناً ، والنظام الإجتماعي كله ينهار من أساسه .. الزواج ليس مجرد ورقة كما تقولين ، الزواج تنظيم اجتماعي للغرائز حتى يكون لكل ابن يولد أب مسئول عنه ، وحتى لا تتحوّل العلاقات الجنسية إلى فوضى بلا رابط ، وتختلط الأحساب والأنساب ، ولا يعرف ابن أباه . والواقع أن الإنسان حينما يضبط رغبته ويكبح جماح شهوته ، فإنه لا يمكن أن يُقال إنه يكبت طبيعته ، فإنه في الحقيقة يُخرس صوت الغريزة ، ولكنه في الوقت نفسه يطلق صوت العقل .. وهو يشدُّ اللجام على الحيوان الهائج في نفسه ، ولكنه يطلق العنان للوجدان والعاطفة والفكر ، ولا يمكن أن يقال في أمر طبيعتنا إنها مجرد رغبات حيوانية ، فإن العقل أيضاً من طبيعتنا ، والعاطفة والوجدان والروح هي صميمنا ، وهي أكثر أصالة في طبيعتنا من نزوة الجنس وصرخة الحيوان الجائع الذي بداخلنا . أما حكاية تلامس الشفتين في القُبلة وتلامس اليدين في المُصافحة فهي مُغالطة واضحة ، ولن أحاول أن أُناقشها ، فأنتِ تعرفين جيداً الفرق بين ما تفعله القُبلة وبين ما تفعله المُصافحة ، وما في داعي نكذب على بعض ! أما حكايتك مع صاحبك ، فهي حكاية يجب أن تنتهي ، فأنت بإعترافك لا تُحبينه وهو لا يحبك ، فالعلاقة إذن علاقة حيوانية لإشباع نزوات عارضة ، وهي علاقة تخلو من عنصر الصدق ، علاقة يُهين كل منكما فيها جسمه ، ويُهين نفسه ، وهي لهذا يجب أن تتوقف ، لا بسبب الدين ، ولا خوفاً من جهنم فقط ولكن أيضاً بدافع من الإنسانية ومن إحترام كل منكما لجسمه ونفسه ." كان ذلك رد الدكتور مصطفى محمود على تلك التجربة ، ولي إضافة على ما قاله الدكتور مصطفى محمود ألا وهي : أن هذه الغرائز التي خُلقنا بها ماهي إلا أسئلة الإمتحان والإختبار الذي خُلقنا لأجله ، وماهي إلاّ أمانات علينا الحفاظ على أدائها فلا نخونها فنخون أنفسنا ، كما أن هذه الغرائز ذات نفسها مفاتيح الثقة والإعتزاز بالذات والكبرياء والكرامة أيضاً إن تعاملنا معها كما أراد الله لنا أن نتعامل ، فقد أثبتت البحوث النفسية والإجتماعية أن الشخصية المُتديّنة تُعتبر من أقوى الشخصيات وأصحّها نفسياً وبدنياً وذهنياً ، فهي تملك مفاتيح النجاح وأهمها الإنضباط والإلتزام بالقيم والفضيلة . هنادي محمد عبد المجيد [email protected][/JUSTIFY