في طفولتنا كثيرا ما كانت (تقوم بينا الغيظة) من احدى بنات الاهل، وذلك لانها كانت تتميز عنا ب الفلهمة وشوفة الروح، والاحساس الزايد ب السماحة والقيافة المتمثل في الوقوف امام المرايا بالساعات .. غسل السفنجات .. التمسح والتجبجب مع الكثير من التمليس وتغير التسريحات، في وقت كانت كل آمال امهاتنا أن نلتزم بالحمام اليومي ولو بعد مغيب الشمس مع مشكة الجلد وازالة الحفّة والغباش قب ل النوم بمسحة من كريم (كركار) بديل الزيت الغعال !! كذلك من ضمن ما حفظناه من مقولاتها في استراحاتنا بين اللعب، أنها عندما تتزوج في المستقبل س تجعل بيتها في نظافة المرايا، لدرجة انها س تقوم باتصال بشرطة النجدة اذا ما تجرأت ذبابة ودخلت اليه .. حتى تبحث الجهات المسئولة عن صحة المواطن مصدر القذارة الخفي الذي تسبب في دخول الذباب لبيتها المعقم، الشيء التاني أنها بعد ان تتزوج لن تجهد نفسها ب اكل اللغاويس والملحات، وسوف تكون كل وجباتها واهل بيتها من الدكان .. طحنية وجبنة ومربة !! ربما لا يعلم الكثيرين انني من ضمن تنقلاتي بعد تخرجي من الجامعة في رحلة البحث عن وظيفة، عملت لعامين ك مساعد مفتش بوزارة الصناعة، قبل انتقالي لاكمال دراستي العليا والعمل بالتدريس في الجامعة، وكانت من ضمن المهام الموكلة لي مع زملائي في القسم التفتيش على المصانع ومن ضمنها مصانع المواد الغذائية .. طبعا الكلام دا قبل ما يفرزوا الكيمان وتكون ل المواصفات هيئة !! حسنا، اللفة الطويلة دي سببها ان طوافي خلال تلك المدة على كثير من مصانع العصير والحلويات والطحنية والمشروبات الغازية والصلصة والخضر المعلبة ووو .....، كثيرا ما دفعني ل الشماتة المتأخرة في قريبتنا رومانسية الامال خيالية التطلعات، التي كانت تعاف لغاويس طباخة البيوت وتفضل عليها وارد المصانع من أكل الدكاكين، فلو كانت رأت (بعض) ما رأيت في (بعض) ما يسمى بمصانع المواد الغذائية وقتها، لربما فكرت جادة في زراعة عيش الفيتريتة في بطن حوش بيتها ثم سحنه بالمرحاكة والاختصار على اكل العصائد وشرب الفروكة على طريقة سالفة الذكر (نأكل مما نزرع)!! للامانة لا ادري كيف هو الحال الان، ولكن – ايامها – كنت ارى العجب العجاب، وكنت اعود بعد نهاية كل زيارة ميدانية ل ناس البيت واطلب منهم (تاني الشي الفلاني داك ما تختوهو في سنّكم) !! رأيت في ما يرى المخلوع .. مصنع طحنية غطى الصدى واللثلثة ماكيناته وتناثرت الصفائح المخرخرة في كل مكان .. مصنع تعليب صلصة تتناثر عبوأت معجون الصلصة على ساحته وقد انفجرت اكياس الالمنيوم وخررت مكوناته من المعجون على الارض .. زجاجات تدخل لسير الماكينة لاعادة تعبئتها بالمشروبات بينما تخرخر اللوايق وفقاقيع صابون من جنباتها !! اماكن لا تصلح – بيئيا - مقالب للقمامة تقام فيها صناعات غذائية .. مستوى نظافة يسمح بتوالد الذباب ونسج خيوط العنكبوت وتراكم التراب .. أما العمالة والايدي العاملة المتسخة فحدث ولا حرج .. اذكر انني وقفت اراقب بخلعة عامل في احد مصانع تعبئة العصير وهو يقف على حافة ماكينة الخلط ليصب شوالات السكر على العصير وعندما يتناثر بعضه على جانبي الماكينة كان يدفعه بقدميه العاريتين ليسقط داخلها .. ما تخافوا المصنع دا وقف من سنين والحمد لله !! للحقيقة، في الغالب الاعم كانت مصانع المواد الغذائية، تشرح النفس وتدفعها للفخار بمستوى الامانة والمهنية التي يتحلى بها العاملين بها، ولكن حركات (البعض) الاخر تدفعك بجدية للقنعان من خيرا في أمانة أو ضمير من يقوم عليها، وتتساءل في ذهول .. هل يرضون ان يتناول ابناءهم واهاليهم منتجات ما يسوقونه للناس على اساس انه مواد غذائية صالحة لبطون البني ادمين ؟!! حسنا، لا ادري الان ما يعانيه مفتشي هيئة المواصفات مع اصحاب مصانع اللغاويث، وهل في امكانهم ملاحقة والتتميم على كل مكان يقوم بصنع ما يسمى مواد غذائية، فالثابت ان الضوابط الاخلاقية لا تكفي ولا حسن الظن بضمائر من يعملون في هذا المجال .. مطاعم كانت أو مصانع أو حتى اماكن صنع طعام المناسبات .. اسراب الذباب وتراكم الاوساخ .. الاغذية منتهية الصلاحية التي تضبط في ثلاجات مطاعم خمسة نجوم .. زيت تحمير السمك والطعمية الذي لا يتم تغيره الا من الحول للحول .. بالامس فقط سمعنا عن حامض الكبريتيك الذي ظلت ثلاجات الفواكة طوال عقود من الزمان تستخدمه في انضاج الموز والبرتقال، وقبل ان نتمالك انفسنا فاجئتنا معلومات عن استعانة بعض موردي الالبان من بعد البنسلين ب الفورملين لحفظ اللبن من التخثر .. الفورملين الذي يستعمل في تحنيط الجثث وحفظ الاعضاء في المشارح ومعامل كليات الطب !! اتارينا بقينا زي المومياوات لا مشاعر ولا احاسيس نسير ك الخشب المسندة بلا حياة ولا حياء .. الغريبة كنا قايلين التلامة دي جاتنا من كترت اكل الفول .. اتاريهم فرملونا يا جدعان !! منى سلمان [email protected]