*قبل عقد من الزمان أو يزيد قليلاً، فكَّر اتحاد المصارف السودانية في صناعة مجلة صيرفية متخصصة في ضروب الصيرفة والمال والاقتصاد، على أن ترشح كل مؤسسة مصرفية شخصاً مندوباً يمثلها في ما يشبه مجلس التحرير، كنت يومها موظفاً كامل الدسم بمؤسسة بنك التضامن الإسلامي بربطة عنق وبعض نزوع إعلامي، وبرغم أني كنت يومها أعمل بإدارة النقد الأجنبي وليس بإدارة الإعلام والعلاقات العامة، لم يملك البنك إلا أن يجعلني رسوله إلى مجلة (اتحاد المصارف)، وكنت يومها أتعاون مع صحيفة ألوان على قراريط من صاحبها الأستاذ الكبير حسين خوجلي، فكان لي الشرف مع مجموعة مختارة من المصارف السودانية في تأسيس هذه المجلة التي تحتفل الآن بعددها الذهبي الذي يحمل الرقم خمسين، وهي يومئذ ذات إصدار شهري متتابع رصين لم تغب ولو لمرة واحدة خلال مسيرتها العامرة التي تجاوزت العقد من الزمان، وقد يقول قائل إن مرد ذلك (لخزانة المصارف) التي تقف خلفها، هذه بعض الحقيقة، غير أن ثمة موارد فكرية ومهنية هائلة هي التي ظلت تمولها تحريرياً، فضلاً عن إدارة وإرادة رجل صيرفي جهير هو الأستاذ مجذوب جلي، الأمين العام لاتحاد المصارف السودانية، الذي وهبها بسخاء الوقت والاهتمام المقدرين، ولقد تداول على إدارة المجلة عدد من الزملاء المحترمين قبل أن تنتهي إلى الصحفي الاقتصادي المتميز الأخ الصديق التيجاني حسين. *ولما انتزعت ذات يوم جهير (ربطة عنقي) وخرجت من القطاع الصيرفي على إثر احتدام انتشار (جرثومة الصحافة) في دمي، طلب مني الأستاذ جلي وطاقم الصحيفة أن استمر في (عضوية المجلة) ضمن مجموعة صحفيين محترفين من خارج الجهاز الصيرفي، أذكر منهم الأساتذة سنهوري وإبراهيم وقداي وحسن محمد زين وتهاني وموسى يعقوب. *تشكلت لي في الفترة الأخيرة قناعة كبيرة بأن ثقافة (التمويل الأصغر) التي نهضت بالاقتصادات الآسيوية، لم تعد هي الخيار الأفضل لانتشال الاقتصاد السوداني من وهدته، على أن تلك المجتمعات الآسيوية قد تحولت إلى شغيلة وأسر منتجة حقيقية، بينما في المقابل ذهب معظم تمويلنا الأصغر (لامتلاك الركشات)، ذلك غير المصاعب التي لم تراوح مكانها في عمليات الضمانات.. على أن عمليات (التمويل الأكبر) هي الطريقة المثلى للسودانيين، على أن نمنح رجلاً وطنياً اقتصادياً محترفاً تمويلاً إنتاجياً أكبر، فيستوعب بدوره عشرات الآلاف من السودانيين فمعظم المعاشيين والطلاب والخريجين لا يمتلكون مهارة إدارة عشرة أو عشرين ألف ج. راجعوا الثغرات والملاحقات والسقوفات.. *المهم أني قد جاهرت بمعتقداتي الاقتصادية هذه كما التيجاني يوسف بشير في معهده، فقالوا لقد كفر ابن الصائم (بتمويلنا الأصغر) وإستراتيجيتنا الصيرفية، قالوا اقتلوه.. معذرة قالوا افصلوه، فوصلني مكتوب بأني لم أعد أصلح مروجاً ومبيضاً للسياسة الصيرفية الرسمية. ذهبت ولكني لا ولن أقبل أن تشاك (مجلتي) بشوكة، وتمنيت لها دائماً النجاح، وتمنيت أيضاً أن يذكر في (يوم الذهب) المؤسسون، فعلى الأقل قد أجريت لصالح المجلة لقاءين باهرين مع الراحل مصطفى سند يرحمه الله وروضة الحاج أطال الله قصيدها وعمرها، فضلاً عن ملفات النفط والمال والسدود وكل أعباء مرحلة التأسيس وما بعدها.. وبرغم.. (شفت الدموع خلف الرموش) إلا برضو جيت أهنيك وأصافحك.. جيت أقول مبروك عليك.. ملاذات آمنه - صحيفة اليوم التالي [email protected]