سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ذاكرة المفاصلة: في الرابع من رمضان ورغم التقارب فيما يتعلق بمسألة الحوار بين الشعبي والوطني لكن وجهات النظر تتباين إزاء الانتخابات أخرى لتعيد الإخوان إلى المربع الأول
لا نعترف بكتلة غير كتلة المؤتمر الوطني".. العبارة يلحقها رئيس المجلس الوطني الفاتح عز الدين بخطوة يتم من خلالها طرد رئيس كتلة المؤتمر الشعبي والمعارضة إسماعيل حسين من الجلسة التي انعقدت أمس الثالث من رمضان.. المشهد يعيد تفاصيل ما حدث في الرابع من رمضان قبل خمسة عشر عاماً حين أصدر الرئيس البشير قراراته التي أفضت فيما بعد إلى ما عرف بمفاصلة الإسلاميين بالسودان.. وانقسامهم إلى مؤتمرين (وطني حاكم.. وشعبي معارض). تعود ذاكرة المفاصلة هذا العام في توقيت بدت مفارقته بأنها تأتي بعد يومين فقط من مرور الذكرى ربع القرنية لوصول الإسلاميين مجتمعين إلى السلطة عقب انقلابهم على حكومة الصادق المهدي المنتخبة. وتأتي المفاصلة في ذكراها الجديدة في واقع اعتبره البعض يمثل حالة من التقارب بين فرقاء المشهد الإسلامي في السودان لم يكن متاحاً في السنوات السابقة. في الأيام السابقة ظل حزب المؤتمر الشعبي متمسكاً بدعوة الحوار التي دعا لها رئيس الجمهورية في الفترة السابقة ولم ينحز الحزب الأكثر معارضة للدعوات التي دفع بها حلفاؤه في المعارضة من أجل مغادرة طاولة الحوار والعودة إلى خط المواجهة، وظل أمينه السياسي كمال عمر متخندقاً في الطاولة ومطالباً الآخرين بالاندغام داخل دعوة المشروع الوطني الجديد باعتباره المدخل الصحيح للخلاص في البلاد التي لا تحتمل مزيداً من المواجهات والصراعات لدرجة أن الرجل مضى في حديث عنيف رداً على منتقديه وحزبه وأنه صار أقرب للوطني من عضويته مكتفياً (أنه من حقنا مثل كل القوى السياسية الأخرى أن نتجه نحو الوحدة) ولكن وحدة الشعبي والوطني التي يدعو لها كمال تبدو بعد خمسة عشر عاماً من المفاصلة وحدة مواقف سياسية فيما يتعلق باستمرارية مشهد الحوار الوطني أكثر منها وحدة في جوانب أخرى، لكن وحدة مواقف الحوار نفسها سرعان ما تجد نفسها في امتحانات وقائع أخرى. واقعة الانتخابات التي يصر الوطني على الوصول إليها وعبرها لتجديد شرعيته الانتخابية تصبح أولى المتاريس في مواجهة استمرار حالة شهر العسل بين الطرفين، فمشهد الصراع بين الكتلتين داخل البرلمان أمس لم يكن ليحدث لولا أن الجدل والحوار كانا يدوران حول دستور إعادة تدوير المشهد، فالجلسة التي انعقدت أمس كانت تناقش التعديلات التي تمت على دستور 2005 والذي وضعه أمس في البرلمان وزير مجلس الوزراء أحمد سعد عمر ومن ثم طرح للنقاش حوله. حين قال رئيس المجلس الوطني الفاتح عزالدين: "نحن عندنا كتلة واحدة معترف بيها هي المؤتمر الوطني" حينها وقف رئيس كتلة الشعبي محتجا وقال: الكلام بينا وبينك اللائحة.. إلا أن رئيس البرلمان طالبه بالتزام الصمت قبل أن يطرده من القاعة ثم قال له: "اتفضل أطلع من الجلسة" وكررها مرتين ثم أمر الحاجب بإخراجه، إلا أن حسين غادر القاعة وهو يردد.. انت لست وصيا علينا وعلى النواب، لديك الحق أسقط عضويتنا من المجلس.. أدخلنا السجن أو أطردنا.. افعل ما تشاء لن نذل ولن نهان، ووصف ما يحدث بالمهزلة، وانسحبت مع إسماعيل حسين بقية منسوبي كتلة المؤتمر الشعبي دون الخضوع لرجاءات الأمين العام للحركة الإسلامية الزبير أحمد الحسن بالعودة إلى الجلسة ومواصلة النقاش. في الرابع من رمضان، رغم حالة التقارب فيما يتعلق بمسألة الحوار بين الشعبي والوطني، لكن تباين وجهات النظر في مسألة إجراء الانتخابات تصعد إلى السطح مرة أخرى لتعيد الإخوان إلى المربع الأول، فغندور نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب يظل موقناً أن لا خلاص إلا في الصناديق.. على ذات الدرب مضى رئيس الجمهورية في ظهوره الأول بعد العملية الجراحية، وأكد البشير أنه لا تأجيل للانتخابات باعتبارها الحق الدستوري المتفق عليه بين الشعب والحزب الذي فاز بأصواته، لكن ما يعتبره الوطني حقا يعتبره الإخوان في الضفة الأخرى من النهر حقاً أريد به باطل، فكمال عمر يقول إن الالتزام من قبلهم باستمرار الحوار هدفه الرئيس هو قطع الطريق على عملية تزوير الانتخابات، فهم يرفضون أي دعوة لقيام انتخابات في ظل الأوضاع الحالية، وأن قيامها يعني أن ينافس الوطني نفسه وينتصر بالمقاعد المطروحة للتنافس الانتخابي، لكن رفض الشعبي لعملية قيام الانتخابات تبدو وكأنها مجرد حالة (صوتية) حيث يمضي الوطني في طريقه المرسوم للوصول إلى تلك المحطة على الطريق الذي مهد له قبلاً بتقديم التعديلات من مجلس الوزراء قبل أن تقطع فيه خطوة أخرى أمس بإجازة القانون بأغلبية برلمانية وقف من خلالها 127 نائباً ورفضه خمسة نواب واختار خمسة الامتناع عن التصويت، وفي دوائر كتلة الشعبي فإن رئيس الكتلة إسماعيل حسين قال للصحفيين عقب طرده من الجلسة إنهم يدرسون الآن إمكانية مقاطعة جلسات البرلمان القادمة وهي المقاطعة التي ستأتي عقب إجازة القانون وفقاً لحديث رئيس البرلمان أنه لا كتلة برلمانية تجد الاعتراف سوى الكتلة التي تجيز القوانين وهي الكتلة صاحبة الصوت الأعلى كتلة الحزب الحاكم. لكن سؤال الإخوان يظل قائماً بعد خمسة عشر عاماً من المفاصلة حول ما يمكن حدوثه مستقبلاً.. المستقبل المرهون وإلى حد كبير بمواقف رؤساء كتل المفاصلة في ذلك الزمان، فالرئيس بعد عودته إلى ممارسة أنشطته في القصر والحزب يمضي حثيثاً في ترتيب الأوراق التي تقود إلى الاستقرار بحسب رؤية حزبه، بينما يكتفي الشيخ الترابي بتقليب الأوراق أمامه وهو يخاطب السودانيين عبر مايكروفون الإذاعة في برنامج المنتدى الفقهي اليوم التالي