مازالت حوادث الطريق تقدم كل يوما قرابين الضحايا الى الموت ، دون وجل ليقذف باللوم على التخطى والسرعة الزائدة ، فبالامس القريب سلمت 22 نفساً الروح الى الله فإلى متى ، هكذا اقشعرت الابدان وتساقطت اكواب الشاى وفناجين البن من الايدى عند صباح الامس ، داخل الاسر المكلومة المتفرقة على امتداد البلاد وان كانت قرية التكلة ابشر احتضنت الالم والحزن الاكبر ، بعد ان اصيبت فى اثنى عشر من ابناء المنطقة توزعوا بين موتى ومصابين داخل غرف الطوارئ والعناية المركزة ، العاشرة من صباح الامس كانت تتوشح بلون الحزن وتتخذ من طعم اللون ورائحته عنوانها الوحيد عندما اصطدمت الحافلة القادمة من ولاية الجزيرة الى العاصمة باحد الشاحنات بطريق الاسفلت ، موزعة الموت على 22 فرداً من ركاب الحافلة دون ان تميز فى مابينهم ، فجمعت بين لمياء التى لم تبلغ عامها الاول وبين من يكبرونها بخمسين ربيعا ، لم تفرق بين الرجال والنساء الشباب والكهول ، اخذت اسر بكاملها والد ووالدة وابناء ، اظنهم كانوا يمنون النفس على معاودة اقاربهم او كانوا فى رحلة اياب الى دارهم من احد المناسبات ، ليرحلوا مع بعضهم البعض الى دار الآخرة .هكذا كان سيناريو الامس مؤلما وحزيناً تدفقت بعض دموعه على شارع حوادث مستشفى الخرطوم وداخلها وامام ابواب المشرحة ، دموع مختلطه فالناجون يبكوهم والراحلون ايضا بحرقة ونحيب عالى سيطر على المكان بكامله . لا احد كان يضع لهذا اليوم حساباً واكثر المتشائمين لم تكن هذه النهاية تراوده حتى فى احلامه المزعجة ، احد الناجين من الحادث وهو شاب فى بداية العقد الثانى من عمره يدعى فوزى محمد سليمان تحدثت اليه ليروى لنا لحظة الحادث الاليم ،ذكر لى بانه لا يذكر شيئاً لانه كان غارقاً فى النوم ، استيقظ على صوت ارتطام عالى جدا بعدها لم يفق الا داخل حوادث الخرطوم ، هذا ماقاله فوزى الذى عاد الى الحياة بعد ان كان اقرب الى الموت الذى اختطف من كانوا يقاسمونه الجلوس على المقعد الخلفى للحافلة ، ليكتب له عمر جديد ، لم نتوقف عنده كثيرا فهو كان فى عجلة من امره يريد ان يعود الى منزلهم ليطمئن اسرته قبل ان يصلهم خبر الحادث ، غادرنا فوزى من امام باب الحوادث وعدنا مرة اخرى الى داخل المشرحة التى لم يقل تدافع المواطنين الذين حضروا للبحث عن ابنائهم واقاربهم ، فى تلك الاثناء كانت هناك والدة فوزى والدمع يتطاير من عيونها والنحيب يملأ حنجرتها تسأل كل من تجده امامها (بسأل عن فوزى ) ولم اجده لا فى الحوادث او هنا دون ان تذكر اسم المشرحة للمعانى الاليمة التى تعنيها فى هذه اللحظات وكلما يخبرها احدهم لا اعلم يزداد يقينها بانه فارق الحياة ، توقفت امامى وكررت سؤالها ، اجبتها بانه يمشي على قدميه وسليم الا من بعض الرضوض المتفرقة وقد غادر الحوادث الى المنزل لم تصدق الامر حتى وجدت ابنها على كاميرا «الصحافة» يقف على ارجله امام بوابة الحوادث لتنفجر ببكاء حار لكنه يختلف عن الاول فهو بكاء عودة ابنها الذى كان اقرب الى الموت بعد ان ذهب الى حضور احد المناسبات وعاد داخل حافلة المصيبة. هاهى ذاكرة الفاجعة تعود مرة اخرى ، عبر طريق حمل اسم الموت للتعريف به اخذ الكثيرين ولازال يقوم بذات الدور بشهية مفتوحة ، لم تستطع كل الضوابط والقوانين الصارمة مع التوجيهات والتحذيرات من الحد بمغامرات سائقى المركبات والشاحنات . عباس محمد إبراهيم :الصحافة