ما بين إستراتيجية الساحل والصحراء، التي يتبناها الرئيس الليبي معمر القذافي في إطار رؤية إفريقية وحدوية شاملة، تعمل لها كل الوسائل الليبية المتاحة، من أجهزة الدولة وعلاقاتها الخارجية من خلال الموقف الليبي المبدئي ضد الاستعمار وعودته إلى القارة السمراء بأشكال مستحدثة وأثواب جديدة، وفي سبيل ذلك تعمل ليبيا على دعم الدول الأفريقية الضعيفة وتسليحها للحفاظ على مقدراتها، ومقاومة كل أشكال الهيمنة والاستعمار وقد كان لتشاد نصيب الأسد دائماً في الاهتمام الليبي المستمر لدواعي الجوار من ناحية ولدواعي الإنتماء إلى أفريقيا من ناحية أخرى. إلا أن الأنباء المزعجة التي ترد من الحين إلى الآخر عن بروز تعاون أمني وعسكري ما بين تشاد ودولة الكيان الصهيوني يبدو أمراً مزعجاً للغاية ويتناقض بشكل مباشر مع موقف ليبيا المبدئي والصارم ضد دولة إسرائيل وطموحها في المنطقة وقد كان القائد معمر القذافي هو القائد الأممي الذي رفع راية الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع ضد الكيان الصهيوني الغاصب من منطلق مسئوليته التاريخية العظمى تجاه الأمة والعرب وأفريقيا وتأتي هذا الخطوة التشادية لتعض اليد التي امتدت لها منذ عشرات السنين بالدعم والتأييد والمساندة فلا شك أن تغلغل إسرائيل في دولة ضعيفة مفككة مثل تشاد يجعل أمن المنطقة كله في خطر خاصة وأن الرغبة في البقاء والتشبث بالسلطة يدفعان القيادة التشادية إلى فعل كل شيء من أجل الحفاظ على الكراسي حتى وإن كان ذلك يهدد أمن المنطقة بأسرها. هكذا فقد وجدت إسرائيل موطئ قدم لها في أفريقيا الوسطى من خلال التعاون التشادي ولربما إفريقيا الوسطى كذلك من خلال التعاون العسكري عن طريق التدريب والتسليح وهكذا تجد ليبيا ولأول مرة نفسها أمام خطر حقيقي فالوجود الإسرائيلي سرطان سرعان ما ينتشر في كل المنطقة خاصة من خلال الكيانات الضعيفة مثل تشاد والتي لم تتخذ حتى الآن شكل الدولة القوية ذات المؤسسات العريقة ولا تزال تحكمها المليشيات القبلية والتي من الممكن أن تغزو العاصمة إنجمينا ما بين ليلة وضحاها فيغدو كل السلاح وكل المعلومات السرية في يد مجموعات أخرى ومن هنا يأتي تحفظ السودان في تعامله مع الحكومة التشادية من خلال اتفاقات مبرمة لا تكون ملزمة لأية جهة تأتي من بعد في ظل التقلبات السياسية التشادية الداخلية خاصة وأن الحكومة السودانية قد حصلت على معلومات مؤكدة بأن تشاد تتعامل مباشرة مع ما يعرف بالمحكمة الجنائية الدولية من خلال تسهيل مهام فرق عمل لاستجلاب شهود زور بالمحكمة حتى كادت تشاد أن تغدو مركزاً لتحركات أعداء السودان الذين يعملون من خلال المحكمة الجنائية الدولية وهذا موقف يعتبر ضد مواقف وقرارات الاتحاد الأفريقي ومؤتمر القمة العربية الذي كان للعقيد القذافي القائد الأممي ورئيس الجمهورية العربية الليبية العظمى موقف واضح ومحدد في قيادة المقاومة بكل أشكال التآمر ضد السودان باسم المحكمة الجنائية الدولية، وليس الموقف التشادي الأخير بالتعاون مع المحكمة سوى عقوق ظاهر للجماهيرية الليبية وهي تفتح أراضيها لاستغلالها في قضية المحكمة الجنائية الدولية والدور الذي تقوم به السفارات التشادية في الخارج بأوامر حكومة إنجمينا يكشف أن تشاد قد أصبحت جزءً من إستراتيجية التآمر ليس على السودان فحسب ولكن على كل أفريقيا الوسطى والغربية والشمالية لتكون تشاد بؤرة التآمر الصهيوني المكشوف والعلني وستكشف الأيام المزيد من الأسرار حول هذا الأمر والدور الذي تلعبه تلك السفارات. دخول الموساد إلى تشاد يعني أن عملاءه قد بدءوا يرسمون خططهم في منطقة الساحل والصحراء ولديهم من الوسائل المجربة التي يستطيعون بها مقاومة أية إستراتيجية أخرى في المنطقة وهذا التناقض الذي تمارسه حكومة تشاد في دعمها للمحكمة الجنائية الدولية في جهة وتعاونها مع الكيان الصهيوني من جهة أخرى يحتم موقفاً ليبياً واضحاً وصريحاً فليس الأمر بالبساطة فيما يبدو من تعاون في المجال الإنساني ولكنه غطاء لتعاون أمني وعسكري خطير ومطلوب دور ليبي ليس لمصلحة السودان كدولة صديقة وجارة من الوجود الإسرائيلي على حدودها ودخول الموساد في قضية دارفور ولكن من أجل أفريقيا والعرب، الذي يقف العقيد القذافي كزعيم أممي له كلمته وتقديره ومكانته وهو الأكثر تفهماً وخبرة لمدى خطورة ما يجري في تشاد. قد تتحول تشاد إلى قاعدة استخباراتية للموساد من خلال استغلال ضعف الدولة التشادية وتفككها ولاشك أن لدى إسرائيل والموساد إستراتيجية واضحة لقيام كيان جديد في المنطقة قد يشمل أكثر من دولة وهذا ما يهدد الوحدة الأفريقية ويثير التوترات في المنطقة قاطبة ولدى الموساد وسائل عديدة في تجنيد العملاء والدفع بهم للقيام بمهام مختلفة وخطيرة ومؤثرة على المدى البعيد. لقاء الرئيس التشادي بوفد المخابرات الإسرائيلية حسبما جاء في الأنباء يكشف عن أن تشاد على أعلى مستوياتها ستقدم على خطوة مباشرة لإقامة علاقات مباشرة مع إسرائيل إذا ضمنت لها الأخيرة التعويض عن الخسائر المتمثلة في استعداء الدول العربية وخاصة ليبيا كما جاء في حديث الرئيس التشادي وهي أي تشاد من حيث المبدأ ترغب في علاقات وطيدة وقوية ومستمرة مع إسرائيل ولكنها تخشى من ليبيا والتي لا شك أن هذا الأمر يغضبها ويثير حفيظتها ويدفعها دفعاً إلى وقف المعونات لتشاد ولكن من الواضح أن العقيد القذافي لديه من الخيارات يجعله يمنع إسرائيل من أن يكون لها موطئ قدم في جوار بلاده وقلب أفريقيا الوسطى والغربية. من المستبعد أن تصدر ردود فعل سياسية مباشرة ولكن من المؤكد أن كشف العلاقة ما بين إسرائيل وتشاد سينعكس سلباً على العلاقات الليبية التشادية ليس على مستوى الدول ولكن على مستوى الحكومات والنظام الهش في تشاد والواقع الاجتماعي والقبلي المعقد فيها يجعل مهمة الموساد الإسرائيلي صعبة للغاية خاصة وأن جميع تجاربه في أفريقيا لم تكن سوى عمليات محدودة وليست إستراتيجية. ما بين عشية وضحاها قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، والعبث التشادي القائم في القضايا الكبرى قد يصير إلى زوال بحكم الجغرافيا السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة. عبدالرحمن إبراهيم :الراي العام