خارج أثيوبيا وفي أطراف بروكسل العاصمة البلجيكية قضي الرئيس ميلس زناوى آخر أيامه التى امتدت لحوالى سبع وخمسون عاما كان ذلك منتصف العام 2012 و قد قضي عشرون عاما يشغل منصب الرجل الاول في اثيوبيا وستة عشر عام في جبهة تحرير التغري قبل قيادة اثيوبيا , وقد كان رحيله صادما للشعب الذي عرف فضل الرجل في قيادة البلاد برؤية مغايرة متفردة جمعت بين الاشتراكية والانفتاح جعلت منها واحدة من اسرع الاقتصادات نموا في افريقيا والعالم , كان رحيله صادما للاقليم وكثير من القوى الحية في العالم بجانب الصدمة التى اصابت الشعب . وفي هرارى عاصمة زيمبابوي نعي الناعى الرئيس المعزول منغستو هايلي ماريام قبل ايام قليلة فلم ينتبه العالم لغياب رجل شغل الناس وقد عاش سبعا وسبعون عاما قضي منها ثلاثة عشر عاما يؤثر في قيادة اثيوبيا وخمس اعوام يحكم البلاد منفردا . وتذكرنا وفاة منقستو بالامبراطور هيلاسيلاسي الذي عزل على أيدى ( الديرك ) في العام 1974 وقتل في العام التالى ودفنت رفاته في العام 2000 اي بعد خمس وعشرون عاما من وفاته , وكل هذه الاحداث تمثل سلسلة من التاريخ الاثيوبي الذي لا ينفك يؤثر ويتأثر بقضايا السودان منذ ان كان السودان ممالك متفرقة تختزن حضارات تتلاقي احيانا وتتصارع في كثير من الاحايين مع مملكة اكسوم . وبعد ان تشكل السودان كدولة واحدة شهد صراعا بين المهدية وامبراطورية منليك نهاية القرن التاسع عشر دخلت جيوش المهدي من القلابات الى عدوة ثم عادت , وعدوة هي عاصمة التغراي ومكان مولد الراحل مليس زناوى وتقع على مقربة من نجاش حيث قبر النجاشي الملك الذى لا يظلم عنده أحد . وحينما دخل الطلايان الى اثيوبيا من ناحية ارتريا وغادرها هيلاسلاسي فقد مثل السودان المستعمر إنجليزيا الملجأ حيث اعيد بعد تحرير اثيوبيا في العام 1941 . تمددت اثيوبيا في فترات منليك واستقر حكم امبراطورها هيلاسيلاسي على كامل ترابها بجانب ارتريا وبعد الحرب العالمية الثانية تحول ولاء الامبراطور الى غرب الاطلنطي فضمنت له الولاياتالمتحدة النفوز في اقليم تتجمع فيه غيوم الحرب الباردة وضمت اليه اراضي ارتريا بقرار ما بعد الوصاية من المنظمة الدولية . وقد كانت اهم المحطات في علاقة السودان باثيوبيا حينها اتفاقية اديس اببا التى وقعت في العام 1972 برعاية من الامبراطور ومباركة من القوى الغربية بعد التحولات التى شهدها نظام مايو واعطت السلام في السودان فرصة للعيش لعقد من الزمان , جعلت خيره يفيض ويتغني اهله ( بلادى الجنة للشافوها او للبره بيها سمع ) تداعي اليه ضحايا الصراع والمجاعات التى حلت بالصومال واثيوبيا في الاعوام التى تلت تلك السنوات منتصف السبعينات واطاحت بالامبراطور وتمدد اليسار على سفوح الجبال وانبت (الديرك) أى اللجنة التى كونت وسط القوات المسلحة من صغار الضباط ومن بينهم مانغستو هايلي ماريام ابن الارومو الذي يحمل الضغائن على مركزالسلطة في اديس اببا لشعور بالظلم والتهميش ووصمة العبودية التى حملها والده , وقد رشح قائده ومربيه امان عندوم الاثيوبي الجنسية الاريتري الاصل والذي عمل تحت قيادته بهرر شرق اثيوبيا لقيادة الديرك . وقد تسبب في مقتله لاحقا وورث مانغستو قيادة التنظيم العسكري وقيادة البلاد من بعد . لسنوات متطاولة يطلق اسم منغستو من قبل العسكريين في السودان على سلاح آلي روسي الصنع , وهو أنسب الطرق لمعرفة ادوار منغستو في السودان . ففى العام 1983 انفضت اتفاقية اديس اببا وعادت الحرب في جنوب السودان عبر الحركة الشعبية التى مهرت أول وثيقة لتأسيسها تحت عنوان (المنافيستوا) وكان ذلك كافيا لاحتضان الماركسي اللينيني منغستو للحركة التى تحارب دولة تربطها علاقات طيبة بمصر السادات والمعسكر الغربي ويقودها ضابط يقاربه في الرتبه العسكرية وينتمى الى إقليم يقارب الاقليم الذي ينتمى اليه مانغستو فى الجنوب الاثيوبي وقضي فترة دراسية مماثلة للتى قضاها مبتعثا في الولاياتالمتحدة . هذا هو الجانب الأكثر بروزا من علاقة منغستو بالسودان بجانب دعم السودان والدول العربية للقضية الارترية التى اختلف فيها مع عرابه أمان عندوم ورفض أي خيارات يمكن ان تؤدي الى انفصال ارتريا عن اثيوبيا . مع بدايات ثورة الانقاذ وفي العام 1991 دخل شباب جبهة تحرير التغراي الى اديس اببا وسقط مانغستو هايلي ماريام هاربا الى زيمبابوي لاجئا سياسيا لعلاقات جمعته مع حركة التحرر هناك مكث كل تلك السنوات ومرت اسرته بالسودان واقامت بالولاياتالمتحدة , كما مرت اسرة الامبراطور واقامت بالسودان , وكإقامة ملس زناوي ومناضلي اثيوبيا وارتريا . رحل الامبراطور في العام 75 ووجدت رفاته بعد خمس وعشرون عاما ودفن بحضور بعض رموز الكنيسة الارثوزوكسية في اديس دون ان تتدخل الدولة ورحل منغستو المتهم بقتل الالاف من ابناء الشعب الاثيوبي في حملات الارهاب الاحمر ولم ينتبه الى موته أحد وقد ازيع خبروفاته في تلفزيون دولة زيمبابوي . ورحل مليس زناوي فنعاه العالم وشيعه شعب مدرك لافضاله .. ولا أعتقد ان ينساه التاريخ . شجون ومتون محمد الواثق ابوزيد