بعد ان احكم سيطرته على البلاد لاكثر من اربعين عاماً، توفى الرئيس الغابونى عمر بنغو عن عمر ناهز ال (73) عاماً، وأثار تأخر اعلان وفاته من قبل السلطات الغابونية شكوكاً كثيرة، ومما يزيد حالة التوتر الراهنة اعلان بلدية ليبرفيل في بيان ليل الاثنين الثلاثاء اغلاق الحانات والملاهي الليلية ومنع التجمعات في الاماكن العامة في العاصمة الغابونية «حتى اشعار» ومما يشى بحالة توتر، سارعت وزارة الدفاع الى اعلان «اغلاق الحدود البرية والجوية والبحرية» في اطار اجراءات «وقائية».. ورغم ان القضاء الفرنسى يلاحق بونغو بتهم تتعلق بالفساد الا ان الرجل الذى يعد عميد الرؤساء الافارقة يحظى باحترام كبير وسط رصفائه فى القارة والعالم الذى تطابقت برقيات التعازى التى أبرقوا بها فى عبارات من قبيل وصفه «بالصديق» و»الحكيم». واعتبر الرئيس الاميركي باراك اوباما ان الرئيس بونغو كان له دور مهم في تنمية العلاقات الثنائية وقال «التزامه بحل النزاعات في القارة يشكل مساهمة مهمة في إرثه». واشاد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بدور بونغو في البحث عن السلام والاستقرار في افريقيا. اما رئيس الجمهورية الفرنسي نيكولا ساركوزي فاعتبره «صديق فرنسا الكبير والمخلص». كما اشاد الوسط السياسي الفرنسي بالشخصية المركزية «فرنسا الافريقية». واكد وزير الدولة للتعاون الفرنسي الان جوانديه «كان وسيطاً في جميع الصراعات، مستمعاً جيداً الى ما تطلبه فرنسا وأوروبا وافريقيا الوسطى والكونغو وبرازافيل وتشاد». واعرب ملك المغرب محمد السادس في رسالة التعزية انه فقد برحيله «صديقاً مخلصاً للمغرب» وتابع ان افريقيا «فقدت فيه ليس فقط عميد قادتها وانما أيضاً رجلاً أخلص لقضاياها وكرس حياته بكل تفان واخلاص للدفاع عن قضايا السلم والاستقرار والوحدة والتنمية بقارتنا الافريقية». وتحدث رئيس مجلس الامن في الاتحاد الافريقي رمضان العمامرة عن «خسارة الابن الكبير لافريقيا الذي أسهم بجدية في حل قضايا القارة بالاضافة الى نجاح الاتحاد الافريقي». وعمر بونغو الملقب ب «حكيم» افريقيا قاد جهود وساطات عديدة افلحت فى اخماد نيران الحروب والنزاعات، وآخرها الدور الذي قام به في عملية السلام الجارية في جمهورية افريقيا الوسطى. كما كان وسيطاً لابرام اتفاقات السلام في الكونغو برازافيل في 1999 التي سمحت بتهدئة البلاد التي تشهد حربا اهلية وعمل على تسوية النزاع في تشاد.وفي قلب افريقيا المضطربة، سعى بونغو لان يكون ضامن الاستقرار والسلام في الغابون. وتمكن بونغو البارع في التكتيك السياسي كما يعترف له انصاره ومعارضوه على حد سواء، من البقاء في السلطة في ظل نظام الحزب الواحد وكذلك بعد اقرار التعددية في 1990م ويردد ان «الحس السياسي هو فن النسيان». وحسب برفايل لوكالة الصحافة الفرنسية ولد البير برنار بونغو في 30 ديسمبر 1935 في عائلة فلاحين في جنوب شرق البلاد واصبح الحاج عمر بونغو بعد اعتناقه الاسلام في 1973م. ثم اضاف الى اسمه اوديمبا، وهو اسم ابيه، في 2003م. وقد شهد صعودا سريعا اذ لقي تقدير اول رئيس للغابون ليون مبا الذي عينه مديرا لمكتبه ثم نائبا له في 1967م. وفي السنة نفسها تولى بونغو الرئاسة خلفا لليون مبا اثر وفاته في 28 نوفمبر. وفي 1968 فرض نظام الحزب الواحد. وبصفته مرشحا وحيدا انتخب رئيسا في 1973 و1979 و1986 بنسب تأييد قياسية. وفي 1990 وفي مواجهة الاستياء الشعبي وافق على احلال التعددية لكنه احتفظ بالسلطة في اقتراعي 1998 و2005م. وحكم بونغو الذي ينتمي الى إثنية تشكل اقلية صغيرة جداً، البلاد بدون اي تساهل مع المعارضة وتولى بنفسه توزيع المسؤوليات الحكومية والادارية بما يضمن توازنات إثنية واقليمية دقيقة. كما برع في توزيع الامتيازات ليضم الى معسكره حتى اقدم واشد منتقديه. واليوم المعارضة لا وجود لها تقريبا وعدد كبير من اعضائها كانوا في الحكومة.وفي السبعينات والثمانينات تدفق النفط ما سمح له بتحويل هذا البلد الصغير في وسط افريقيا الى «امارة نفطية». لكن مراقبين عدة يتحدثون عن الفساد، وكذلك الرئيس نفسه الذي انتقد في 2007 «المحسوبية والفساد التي تستشري في السلطات العامة». وطوال الجمهورية الخامسة في فرنسا كان عمر بونغو احد اهم اعمدة «فرنسا الافريقية» حيث اختلطت شؤون الدولة بمجموعات الضغط والشبكات السياسية والمالية. وقد ورد اسمه في قضية مجموعة «الف» التي كانت رمز المخالفات في اطار «فرنسا الافريقية». وحديثاً توترت علاقاته مع القوة المستعمرة السابقة بينما كشفت قضايا فساد.وتحدثت وسائل اعلام فرنسية عن ممتلكات عقارية كبيرة لاسرته بينما تقدمت منظمة غير حكومية بشكوى الى القضاء الفرنسي تتهم عمر بونغو بامتلاك عقارات فاخرة ممولة بأموال عامة مختلسة. وفي نهاية فبراير، تمت مصادرة حساباته المصرفية في اطار قضية رفعها فرنسي بشأن خلاف يتعلق ب (004) ألف يورو.