(دايرين ترجعوا الجلابة في البلد)... عبارات من هذا القبيل رافقت حادثة ضرب مزعومة لأمينة الشؤون الاجتماعية بالمؤتمر الوطني في مدينة توريت، إثر قيامها بمقابلة بعض النساء في المدينة، إذ سار خلفها أشخاص يعتقد أنهم من منسوبي الجيش الشعبي، واتهموها بالعمل على عودة (الجلابة)، ليس ذلك فحسب لكنهم أرفقوا الاتهام بتنفيذ الجزاء مباشرة، عندما قاموا بضرب السيدة على رأسها بعصا غليظة، احتاجت على إثرها أمينة الشؤون الاجتماعية لست غرز أثناء خياطة الجرح الذي تسببت فيه ضربة تلك العصا، بحسب كوريليو لادو القيادي بقطاع الجنوب في حزب المؤتمر الوطني. عصا الحركة الشعبية الغليظة في الإقليم الجنوبي، ظلت اتهاماً يصوبه الشريك الأكبر في الحكم لشريكه الآخر بشكل دائم، إذ بدأ المؤتمر الوطني منذ فترة طويلة في القول بأن نشاطه في الجنوب يخضع لمضايقات من قبل الحركة الشعبية وجيشها الشعبي، ومن رجال استخبارات الحركة على وجه التحديد، ولا يعدم المتابع لهذا الشأن خبراً في الصحف بين الفينة والأخرى يتحدث عن ضرب أحد منسوبي الوطني في منطقة جنوبية، أو إعتقال قيادي محلي بالحزب هناك، وفي مرات نادرة خبراً صغيراً عن إطلاق سراح أحدهم وعودته إلى الخرطوم ، ففي العام 2007 قال أحمد إبراهيم الطاهر القيادي بالوطني إن الحركة تلاحق الأحزاب الأخرى في الجنوب واشار لإحكام استخبارت الجيش الشعبي لقبضتها على الإقليم. ومنذ فترة ورد في الأخبار أن سلطات الجنوب إعتقلت منتصر إبراهيم، موفد اللجنة السياسية التنفيذية التنسيقية بين المؤتمر الوطني والحركة، والتي يمثل الجانبان فيها علي عثمان نائب الرئيس ود.رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب ، وأشارت تفاصيل الخبر إلى أن الرجل موظف بالقصر الجمهوري كان في مهمة رسمية تتعلق بمتابعة قضايا التجار الشماليين مع د.رياك مشار، لكن استخبارات الجيش الشعبي اقتادته أثناء تواجده في سوق مدينة جوبا، ودعا مسئول بالقصر إلى إطلاق سراح منتصر وحمل حكومة الجنوب مسئولية تأمين حياته. وبلغت حدة الاتهامات ذروتها عقب اجتماع مجلس شورى المؤتمر الوطني الأخير عندما انتقد المشير البشير، رئيس الجمهورية ورئيس الحزب، الحركة الشعبية والطريقة التي تدير بها الجنوب عندما قال إنهم-أي قادة الحركة- يطالبون بالحريات في الشمال ويحكمون في الجنوب بالاستخبارات ويغلقونه أمام القوى السياسية الأخرى، وحذرها من معاملتها بالمثل إذا لم تتح الفرصة أمام حزبه بالجنوب، مضيفاً (العين بالعين والسن بالسن). ويقول كوريليو إن الشكوى من ممارسات الحركة ظلت تتردد داخل المؤتمر الوطني منذ أكثر من ثلاث سنوات، لكن البعض رأى حينها أن أي رد فعل أو إثارة للموضوع بشكل حاد قد يهدد اتفاقية السلام الشامل، ويشير إلى وعد لرياك مشار بفتح المجال أمام القوى السياسية لكن الوعد لم يتحقق، ويتعرض كوريليو لمشكلة أخرى تتعلق بسكان المناطق التي كانت تسيطر عليها الحركة أثناء فترة الحرب حيث يظن البعض أن المؤتمر الوطني هو من أحرق الجنوب ، لكنه يعود لإلقاء اللوم على الحركة ويرجع المضايقات التي تحدث إلى رغبتها في الإستئثار بالنشاط السياسي في الإقليم، ما سيضعف نزاهة الانتخابات المقبلة وحريتها على حد تعبيره ويضيف (لا يمكن أن يضربوا عضويتك وتسكت، لابد من توازن خوف). لكن القيادي بالحركة أتيم قرنق يتهم الوطني بالعمل منذ العام 2005 على تضخيم نواقص الحركة والتقليل من جهودها، وجهود الجيش الشعبي وحكومة الجنوب، ويركز على أن السبب في بعض المضايقات التي يتعرض لها منسوبو الوطني يعود إلى الماضي وليس إلى سياسة منهجية يتبعها حزبه، فسكان بعض المناطق لا يزالون يخضعون لتأثيرات فترة الحرب وينظرون للوطني باعتباره جهة معادية، كما يشير إلى وجود كثير من السلاح بيد القبائل الجنوبية تسرب إليها خلال الحرب كسبب إضافي لما قد يتعرض له بعض الناشطين، ويقترح أتيم أن يعمل الوطني على تحقيق مصالحة مع الجماعات المحلية عوضاً عن توجيه أصابع الإتهام للحركة، ويضيف (إذا أتوا فلن نمنعهم، وإن لم يأتوا فلن نحضرهم نحن بالطبع). وإن كانت التطورات الأخيرة تحمل في طياتها بوادر حرب باردة بين الشريكين قائمة على ملاحقة الطرف الآخر خارج معاقله، وخنق تمدده السياسي، إلا أن واقع الحال بينهما ليس بهذه الحدة، فمنسوبو الوطني في ملوط بأعالي النيل على سبيل المثال على علاقة جيدة بالحركة الشعبية هناك كما يقال، كما أن الحركة الشعبية يصعب عليها أن تدخل قطاع الشمال الذي بذلت جهدها لبنائه في مخاطرة تحجيمه، خاصة وأنها تعول عليه في تعظيم مكاسبها الانتخابية، وللمفارقة، فإن الطمع في قضم قطعة كبيرة من الكعكة الانتخابية في مناطق سيطرة الطرف الآخر، ربما يكون المانع الأكبر أمام نشوب حرب تضييق متبادل.