استوقفني تحقيق صحفي عن السوداني صاحب مطعم (الخرطوم) بالقاهرة.. *شعرت بأن ثمةً شيئاً ما يربطني بالشخص هذا رغم إنني لم أره في حياتي.. *أو رأيت فقط صورته المنشورة مع التحقيق بمعية زوجته.. *فقد استرجعت ذاكرتي فترة قضيتها بالقاهرة قبل سنوات عديدة خلت.. *كان ذلك قُبيل ظهور الإنقاذ ونشوة المشاركة في الانتفاضة لا تزال تغمرني.. *كنت شاباً مفعماً بالطموح الذي أهلني إلى النجاح في وظيفتي قفزاً فوق المراحل.. *وفوق ذلك أستشعر لذة التقيد بأناقة مجال عملي حتى في أيام الإجازات.. *حللت بشقة (فرضها) علي بعض معارفي في المهندسين حيث يقيمون هناك لسنوات طوال .. *أخبروني بنوع المداعبة التي كانت تجري بينهم وبين مستأجرها السوداني قبلي.. *كانوا يقولون له ضاحكين (من صلاح كِسرة لصلاح قشرة).. *فهو كان يعمل في صناعة الكسرة ويتأهب للانتقال إلى شقة أخرى ب(وسط البلد).. *أما (صلاح قشرة) فهو اللقب الذي أطلقه علي معارفي هؤلاء في مقابل (صلاح كسرة).. *وما كان يغضب هو من المقارنة (اللفظية) هذه وإنما يرد عليهم ضاحكاً (ح تشوفوا) .. *وفعلاً (عشنا وشفنا) ما صار إليه كسرة - الآن - وما انتهى إليه حال (قشرة).. *فذاك نمت (كسرته) إلى أن أضحت - حسب التحقيق - مطعماً ناجحاً.. *وهذا (اتكسر) تحت عجلات (التمكين) دافعاً ثمن مواقف لا يلقي إليها بالاً سميه ذاك.. *وتجسد حالتي حالات الألوف مثلي من (وطنيي) بلادنا.. *ولا أعني من ينتمون إلى (الوطني) وإنما الذين تكسرت على دروع (وطنيتهم) سهام التدجين.. *ولأن ذاكرة شعبنا (خربة) فلن نُفاجأ إن رأينا - غداً - بعض بائعي مواقفهم يدعون البطولات.. *بل نحن نرى بالفعل - الآن- نفراً من قابضي الثمن يقفزون نحو خانة المعارضة بعد (لفظهم).. *ثم يلعنون الذين ذابوا فيهم - حيناً- وجيوبهم ترتج من أثر (الذي قبضوه) منهم وهم شاكرون.. *وما زلت أعجب من (بجاحة) سادن مايوي يصر على أن هدفه كان التقويض من الداخل.. *والذي يدعو أمثال هؤلاء إلى التذاكي علينا - ربما - (ريالة) يرونها تسيل من جوانب أفواهنا.. *و(قنابير) تتمايل فوق رؤوسنا تُغري باللعب على الحبلين.. *فنحن - في نظرهم - شعب (طيب) و(نساي) و(على نياته).. *أما (الريالة) التي أتحسر عليها الآن فهي تلك التي كان يمكن أن تسيل من أفواه رواد مطعمي.. *ذلك في حال كنت مشيت في سكة صلاح الآخر عقب (التمكين).. *وصرت (صلاح كسرة) .